” كسفتينا ” يا سنارة
اخبار البلد-
ما دام ترشيح المرء لنفسه في انتخابات مجلس النواب يبدأ من فرز العشيرة له بعصّارتها، وكأنه الزيت الصافي الخارج منها، الذي يمثلها، وما دام يوجد في الدائرة الانتخابية الواحدة أكثر من عشيرة، وأكثر من مرشح، ومثقفون لا يقبلون هذا النهج بعد مائة عام من قيام الدولة، فإن الصراع داخل العشيرة الواحدة وبينها وبين العشائر الأخرى سينشأ ويمتد وقد يشتد لأنها تتنافس على المقاعد/ السلطة نفسها.
عندها او بعدها لن يمثل المجلس المواطنين كافة، وإنما العشائر أو الأفخاذ الفائزة فيها، وسيقتصر هذا التمثيل على الرجال دون النساء لأن الفرز لا يشملهن ترشيحاً وفرزاً، وغير موجودات في خدمة العلم، إنها ردّة واضحة في بداية القرن الواحد والعشرين. كما لن يكون هناك تمثيل يذكر لبقية المواطنين، لأن عشائرهم مبعثرة ولا يجمعها مكان، او يلمها زمان.
بذلك تطرد العشائرية (العمودية) [كالطائفية في لبنان] باستخدامها سياسياً الأحزاب والحزبية العابرة للناس أفقياً. وكأنه كتب على هذا الشعب أن يبقى مخلوطاً يسهل اختراقه وتفكيكه، وليس مركباً يستحيل الأمران عليه، وبعكس ما جاء في الدستور والميثاق والأوراق الملكية النقاشية.
لا يسع المرء المهتم بنهضة هذا البلد العزيز وبتفوق شعبه الكريم بهذا التطور العكسي إلا أن يسترجع أغنية: « كسفتينا « يا سنارة. يا سنارة «كشفتينا»، وراح الطعم. يا خسارة .
مدهش ما يختاره الاستاذ علاء الدين أبو زينة من الدراسات والكتابات والمقالات الأجنبية ويترجمه في سياق لغة عربية متقنة وثقافة عامة غنية. إنني ادعي أن الترجمة من سياق لغوي إلى سياق لغوي آخر أصعب من التأليف ولا تستطيع عليه إلا القلّة المتناقصة في البلاد، فالذين يدرسون في الخارج لا يستطيعون الترجمة الأصولية إلى لغتهم الأصلية، والذين يدرسون في الداخل لا يستطيعون الترجمة إلى اللغة الأجنبية لما يعتريهم من ضعف لغوي مزدوج. وعليه فإنني أتساءل ولكن في نفسي، بعد عمر طويل للأستاذ علاء، هل يوجد من يستطيع أن يحل محله بالكفاءة المزدوجة اللغوية والثقافية نفسها، ويقبل تحمل المعاناة نفسها المصاحبة للترجمة؟
تتميز جريدة الغد من جملة أمور كثيرة، بأمرين: بترجمات الأستاذ علاء الدين أبو زينة، وبالمقالات والأبحاث والدراسات العبرية المنتظمة، مما يجعل كل مثقف وسياسي بحاجة إلى الاشتراك فيها ليبقى على اطلاع .
وبهذه المناسبة أدعو الصحافة الورقية اليومية إلى تكبير الخط (Point) لأن معظم القراء هم من جيل الورق وكبار السن وليس من جيل الانترنت المتخلى عنها، فلا تجبروهم على استخدام المكبرات أو ترك القراءة.
من كان يعد تخصصه العلمي رسالة كالتعليم والصحة والطب.. فإنه لا يتنازل عنه لصالح وظيفة إدارية أو مركز إداري كمدير مدرسة أو مستشفى أو رئيس قسم أو عميد كلية أو رئاسة جامعة ، وحتى وزيراً.
لقد حدث هذا مع استاذ في جامعة مشجن 1971 حين عين عميداً في كلية التربية في الجامعة ، ليكتشف بعد ثلاثة أشهر من العمل فيها أن تخصصه يبرد ويتراجع ، ورسالته تنتهي، فتخلى عن العمادة وعاد لمواصلة عمله أستاذا يدرس ويبحث.
في الأردن وربما في البلاد العربية جميعاً يحدث العكس حيث تجد عين الواحد وقد تخرج في الجامعة على الإدارة. إنه يستميت ليحصل على المركز وان أدى ذلك إلى فقدان الرسالة التي قضى شطراً طويلاً من حياته ليكتسبها ويؤديها، وكأنها صارت بعد سنة أو سنتين من العمل بالتخصص عبئاً ثقيلاً عليه. وفي تفسير ذلك إن الإدارة تعني السلطة أي حكم الناس أو التحكم فيهم، فنموت من اجل الحصول عليها ونموت للمحافظة عليها. إنها تجعل ملابسنا الواسعة ضيقة علينا ناسين أو جاهلين أن الرسالة لها سلطتها الأدبية أو العلمية أو الفنية أيضاً، وأن سلطة الإدارة تذهب وتفنى وسلطة الرسالة تدوم وتبقى.
يقول وِلْ ديورانت: « قبل ستين عاماً عرفت كل شيء. أما الآن فأنا لا أعرف شيئاً. إن التعليم اكتشاف متواصل لجهلنا».
«عندما يتوقف الإنسان عن التعلّم، [والتجدد المعرفي والثقافي] يجب أن لا يُسمح له بالتجول بحرية في المجتمع» .