يعودون إلى المدرسة أم يدرسون في البيت؟

اخبار البلد- تسببت جائحة كورونا العالمية، وما تبعها من إجراءات الاغلاق والتباعد الجسدي، في وقف الدوام التقليدي في شتى القطاعات، ومن بينها كان القطاع التعليمي، حيث تقدّر الأمم المتحدة عدد الأطفال الذين تأثروا في أنحاء العالم، بإجراءات مواجهة كورونا، بحوالي مليار ونصف المليار طفل، مما جعل خيار التعليم عن بعد مطروحاً بقوة لضمان استمرار العملية التعليمية!

لكن استجابة المجتمعات، للأخذ بهذا الخيار لم تكن واحدة، فبعضها لم يأخذ به على الاطلاق، والبعض الأخر تبناه على عجل، ودون دراسة كافية لمتطلباته وضمانات أن يكون بالكفاءة والجودة المطلوبة، وفي السطور القادمة سأعرض لتجربة تابعتها لمديرية التعليم في مقاطعة (ANNE ARUNDEL AACPS) في ولاية ميريلاند الأمريكية في اعتماد قرار التعليم عن بعد لهذا العام.

أول ما يلفت الانتباه، في هذا التجربة، هو شفافية الادارة، واهتمامها المستمر بالتواصل مع جميع أصحاب المصلحة، سواءً الطلاب أو أولياء أمورهم أو الموظفين، عبر رسائل الفيديو المتواصلة للمشرف العام، التي يعرض فيها آخر المستجدات حتى في الإجازة الصيفية.

ثم إن الإدارة، ورغم أجواء جائحة كورونا التي تملي بقوة اعتماد التعليم عن بعد، لم تفرض القرار بشكل فوقي، بل بعد توصية من لجان مختصة، ضمت موظفين من جميع الوحدات، وأولياء الأمور، وأعضاء المجتمع، والطلاب، وشركاء النظام المدرسي، والذين قاموا بدراسة عميقة لخيارات إعادة فتح المدارس، مع التركيز على خيار التعليم عن بعد.

كما اعتمد القرار على نتائج استطلاع لآراء أولياء الأمور، حول الخيارات التي يفضلون أن يلتحق أبناؤهم من خلالها بالعام الدراسي 2020-2021، رجحت كفته لصالح التعليم عن بعد، مما جعل قرار إدارة المدارس، في المحصلة، قراراً جماعياً.

وعلى صعيد التنفيذ، أعدت AACPS دليلاً متكاملاً، كان بمثابة خارطة للطريق؛ فقد تطرق الى قيم المساواة والعدالة الاجتماعية التي ستحرص AACPS على اعتمادها، وتوفر فصول دراسية شخصية بشكل محدود مع الاخذ بالإجراءات الاحترازية للتباعد الجسدي، وإتاحة خدمات العلاج الطبيعي والموضعي، وعلاج أمراض النطق واللغة للطلاب الذين يتلقون خدمات التربية الخاصة، مع توفير فصول خاصة لتعليم الإنجليزية والتكنولوجيا التطبيقية، وخدمات الصحة العقلية للتعامل مع مشاكل الطلبة النفسية، والتي تزايدت بفعل الجائحة، كما عرض الدليل لتوفير المتطلبات التقنية للتعليم عن بعد، وإجراءات الصحة والسلامة والتعقيم وغيرها، ومن يتمعن في الدليل عامة سيرى بوضوح انه نتاج لبحث عميق يهتم بأدق التفاصيل.

نحتاج دراسة مثل هذه التجارب، واستلهام أهم ما فيها، وهو احترام آراء أصحاب المصلحة والعلاقة، وإتاحة الفرصة لهم لصنع القرار وتحمل مسؤوليتها في حال الإصابة بهذا الوباء، فهم المستهدفون بها، ولا يعقل أن يكونوا أخر من يعلم بالقرار، وأول من يدفع ثمنه إن كان في غير مكانه!