المرضى لا يبيعون ولا يشترون..!

اخبار البلد- من الواضح أن «التوازن» الدقيق الذي سعت إليه سياسة التعامل مع الوباء محلياً بين الصحة والاقتصاد أخذت تميل بقوة نحو الاقتصاد. وكان من المفاجئ لبعضهم اقتران ارتفاع عدد الإصابات والوفيات في البلد بقرار بتخفيض ساعات الحظر الليلي، وإلغاء إغلاقات أيام الجمعة وما شابه.

الموقف حرِج بلا شك. وتعكس الاختيارات المحلية الارتباك العالَمي فقط حول الفتح والإغلاق، حيث لكل من الخيارين مبررات وجيهة حقاً. وليست هناك حكومة تقريباً لا تتعرض لضغوط من القطاعات الاقتصادية التي تريد كل دقيقة عمل حتى تبقى واقفة على أقدامها، وضغوط مقابلة من جماعة الصحّة الذين يقلقون –مُحقّين- من احتمال إغراق الإمكانات الصحية والمشافي في حال أفلتت الإصابات من العقال وزاد المرض والوفيات.
مع ذلك، تذهب حتى الاقتصادات الكبيرة القوية نحو رفع الإغلاقات، حتى بينما ما تزال تعاني مع مخاطر التفشي. ويغلب أن تحذو حذوها الاقتصادات الصغيرة الأقل قدرة على الصمود – والتي لديها أيضاً إمكانات صحية أقل. لكن العامل الأهم الذي يتحدث عنه الجميع في إبقاء الأمور معقولة هو «وعي المواطن». ويبرر المسؤولون في الأردن اتجاه فتح القطاعات دائماً بعبارة: إننا نعوّل على وعي المواطن.
وهذا العامل غير مضمون في أحسن الأحوال، لأن قلة وعي نسبة صغيرة من المواطنين – سواء كانوا منكرين لوجود المرض، أو متشككين في صلاحية القرار، أو ميالين إلى المناكدة- كفيلة بنقض الغزل كله. وكما شاهدنا، بدأت التفشيات بأفراد أخفوا إصابتهم، وذهبوا إلى أعراس أو مجالس عزاء أو تجمعات. وليس الأمر أن شخصاً يقرر إقامة حفل زفاف كبير، وإنما يلبي دعوته عشرات أو مئات الأشخاص الذين لا ينتمون إلى «وعي المواطن». وكذلك يفعل موظف على الحدود لا يدقق على قادمين مصابين أو يتواطأ في دخولهم بطريقة أو بأخرى.
روى مسؤول صحي كبير على شاشة محلية أنه دخل «مولاً» كبيراً، فلم يجد فيه أكثر من علبة واحدة فقط لتعقيم أيدي الزبائن الذين بالمئات، وشاهد موظفاً واحداً أو اثنين فقط يرتدون الكمامات. وكلنا يعرف أن هذا صحيح في الكثير من المحلات والأسواق والأماكن التي يرتادها الناس. وقد يكون أصحاب هذه المحلات غير راغبين في «الضغط» على الزبائن وتنفيرهم، وهم الذين قد يكون بينهم كثير من المشككين وغير الراغبين في ارتداء الكمامات والتباعد والالتزام.
إذا كان القطاع التجاري يطالب بكل ساعات العمل الممكنة، فإنه يجب أن يلتزم بفعل كل ما هو مطلوب لضمان التزام زبائنه وعامليه بالتعليمات البسيطة التي تصر عليها السلطات الصحية في كل مكان. ويجب أن يفعل لأن ظهور حالات في مصنع ستغلقه، وظهورها في «مول» ستوتر عماله وتنفر زبائنه، والتفشيات الكبيرة للمرض ستزيد العزل وتقلل حركة المزيد من الناس وقدرتهم على التسوق والتجول. وفي نهاية المطاف، إذا زاد المرض في المجتمع بحيث تحلق الأرقام وتكثر الوفيات ويغرق القطاع الصحي، فإن الناس لن يرغبوا – أو لن يكونوا قادرين على الإنتاج والبيع والشراء. ولن يرغب أحد في القدوم إلى البلد. وسوف تصبح الإغلاقات حتمية ومطولة وقاسية. وسيتضرر الاقتصاد حتماً.
حتى يبقى الاقتصاد عاملاً، ربما ينبغي أن يضحي هو أيضاً. قد يكون خسران ساعتين من الإغلاق ليلاً أو يوم عطلة أقل كلفة من التعامل مع مواطنين مرضى بالآلاف ومتوفين بالعشرات والمئات. وكان الذين يرون ما يحدث في العالم متيقنين من أن المرض سيعود بعد الأرقام الصفرية، ويشير كل شيء إلى أن شيئاً لا يحول دون تضاعف أعداد الإصابات في الأيام والأسابيع المقبلة، خاصة في ظل أن الضمانة الوحيدة هي «وعي المواطن.
إلى أن يجيء اللقاح الذي ينتظره العالم كأمل وحيد، أو يذهب المرض فجأة كما جاء، ينبغي أن يكون صانع القرار دقيقاً في تقدير التوازن بين الصحة والاقتصاد، لأنه لا اقتصاد بلا صحة وخطأ التقدير سيكون قاتلاً. وعلى القطاعات الاقتصادية أن تعي ذلك وأن تفي بحصتها من التضحية حيث تلزم، والمساعدة في تطبيق الإجراءات الكابحة للوباء لخدمة استمرار عملها هي أولاً. وأخشى، من بين آخرين يراقبون المشهد العالمي، أن يكون التفسير المحلي للـ»التعايش مع الوباء» و»مناعة القطيع» مسطحاً وغير دقيق، كما يحدث، فلا تكون العواقب محمودة!