التطبيع كنشاط انتخابي لترامب ونتنياهو

أخبار البلد-

 
ببساطة وبدون لف ودوران، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو معنيان بأن يضمن إقدام دول عربية على التطبيع مع تل أبيب مستقبلهما السياسي وإعادة انتخابهما.

فعلى الرغم من أن نظم الحكم العربية التي تتهافت على إشهار تحالفها مع الكيان الصهيوني وإخراجه من طور السر إلى طور العلن تعزو ذلك إلى "حسابات إستراتيجية ومصلحية"، فإن الواقع، ومع كل أسف، يدل على أن هذه النظم تخدم في الواقع فقط الحملة الانتخابية لكل من ترامب ونتنياهو.

فعبر دفع المزيد من الدول العربية لإشهار تحالفها مع الكيان الصهيوني يهدف ترامب إلى استرضاء التيار الإنجيلي عشية الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في نوفمبر القادم الذي صوت حوالي 80% من عناصره له في الانتخابات الأخيرة.

ترامب الذي أعلن مؤخرا أنه أقدم على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها لكي يلقى الأمر استحسان التيار الإنجيلي، حيث قال إن نقل السفارة "أثار رضا الإنجيليين أكثر من اليهود"، يعمل كل ما وفي وسعه لاقناع أتباع هذا التيار أنه الأحرص على مصالح إسرائيل.

فلدواع عقائدية، فإن التيار الإنجيلي يتبنى مواقف من الصراع العربي الإسرائيلي لا تتقاطع فقط مع مواقف اليمين الإسرائيلي، بل أنها أحيانا تتجاوزه في حدة التطرف؛ وهذا ما يدركه ترامب ويسعى لتوظيفه للحفاظ على دعم هذا التيار له، على اعتبار أن التقديرات التي أشارت إليها صحيفة "هارتس" مؤخرا تفيد أنه بدون ضمان تصويت 80% من الإنجيليين لصالحه، كما حدث في الانتخابات الأخيرة، فأن فرص ترامب بالفوز ستكون متدنية.

وتتعاظم الحاجة إلى دعم الإنجيليين في ظل المشاكل التي يواجهها ترامب على الصعيد الاقتصادي، سيما في أعقاب طريقة مواجهته الإشكالية لوباء كورونا، وعلى أثر الشهادات التي أطلقها ضده سواء أشخاص على علاقة قرابة به أو مسؤولون عملوا بشكل مباشر معه.

وهذا السبب الذي دفع إدارة ترامب لبذل الجهد الكبير من أجل دفع الامارات للتوقيع على اتفاق التطبيع الكامل مع إسرائيل وتوظيف الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق هذا الهدف، وضمن ذلك حرص المسؤولون الأمريكيون على رعاية اللقاءات بين الوفدين الإماراتي والإسرائيلي في أبو ظبي بشكل لصيق.

ناهيك عن الجهود التي بذلها ويبذلها المسؤولون الأمريكيون لاقناع المزيد من الدول العربية بالتوقيع على اتفاق مماثل مع تل أبيب، وضمن ذلك الضغوط التي مارسوها على السعودية والبحرين.

كما أن نجاح الولايات المتحدة في إقناع السعودية والبحرين بالسماح للطائرات الإسرائيلية المتجهة للإمارات بالتحليق في الأجواء الإسرائيلية كبوادر حسن نية لإسرائيل يرتبط بسعي ترامب لتعزيز أوراقه الانتخابية.

وفي المقابل، فإن نتنياهو الذي تهاوت مكانته الداخلية بسبب محاكمته في قضايا فساد خطيرة، وأثر فشله في مواجهة تفشي وباء كورونا وما نجم عن ذلك من تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير، يحاول وقف التآكل في شعبيته وشعبية حزب الليكود الذي يقوده عبر محاولة نقل مركز ثقل الجدل الداخلي من قضايا الفساد إلى الفضاء الأيدلوجي من خلال توظيف مناشط التطبيع في إضفاء صدقية على مواقفه السياسية من الصراع.

نتنياهو الذي يشعر بقلق واضح من نتائج استطلاع الرأي المتواترة التي تشير إلى تراجع شعبية الليكود، يواجه حاليا بشكل أسبوعي مظاهرات تطالب باستقالته بسبب فشل إدارته وفساده، معني بتقديم إنجازات على الصعيد السياسي والأيدلوجي والاقتصادي.

من هنا، فقد عمد نتنياهو منذ الإعلان عن الاتفاق مع الإمارات إلى الزعم أنه بنجاحه في التوصل لهذا الاتفاق فقد نسف معادلة "الأرض مقابل السلام" وفرض معادلة "السلام مقابل السلام". ولا يكاد نتنياهو يفوت فرصة ظهوره الإعلامي وفي مواقع التواصل الاجتماعي إلا ويشدد على أنه أول زعيم إسرائيلي تمكن من تكريس معادلة "السلام مقابل السلام"، مع العلم أنه لم تندلع يوما حرب بين الإمارات وإسرائيل احتل الجيش الإسرائيلي خلالها أرضا إماراتية.

وهذا وراء محاولة نتنياهو أن يتم التوقيع على الاتفاق مع الإمارات في نفس اليوم الذي وقع عليه اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل 27 عاما، على اعتبار أن هذا يمنحه القدرة على الادعاء بأنه بخلاف رئيس الوزراء الأسبق اسحاك رابين الذي وافق على مبدأ "الأرض مقابل السلام" فإنه فرض معادلة "السلام مقابل السلام".

إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو وعد الجمهور الإسرائيلي بعوائد اقتصادية في إطار موجة التطبيع الحالية، وبشر هذا الجمهور بتدفق الاستثمارات الإمارتية في أعقاب الاتفاق. في حين ذهب وزير التعاون الإقليمي الليكودي أوفير أوكينوس إلى حد طمأنة الإسرائيليين بأن العوائد الاقتصادية للاتفاق مع الإمارات ستخرج "إسرائيل" من الأزمة الاقتصادية.