ضد الانتخابات!

أخبار البلد-

 

في كتابه «ضد الانتخابات … دفاعا عن الديمقراطية» يتساءل المؤرخ والكاتب البلجيكي «ديفيد فان ريبوك» ما إذا كانت الانتخابات وسيلة حقيقية لتحقيق الديمقراطية في العالم كله أم لا، ويرى أن الديمقراطيات الغربية قد أخطأت حين دمجت الديمقراطية مع الانتخابات، وأن ذلك النظام لا حاجة له اليوم في عصر الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي يتيح مشاركة سياسية أكثر عمقا وتأثيرا.
تلك دعوة من كاتب له وزنه على الساحة الاوروبية لمعالجة حالة مرضية أسماها «متلازمة الإعياء الديمقراطي» التي تتراجع بسببها نسب الناخبين، مع تراجع الثقة بنتائج الانتخابات ومخرجاتها، وتلك الدعوة نخبوية إلى حد بعيد، ولكنها مؤشر ثقافي على رغبة لها ما يبررها لمراجعة كل شيء حتى يتواءم مع المتغيرات التي تشهدها الدول منفردة، ويشهدها العالم مجتمعا!
نحن في الأردن أمام استحقاق دستوري في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لانتخاب البرلمان التاسع عشر وسط أجواء استثنائية معقدة، يسودها القلق من انتشار وباء الكورونا، ومن الوضع الاقتصادي الصعب، والتطورات الإقليمية المأزومة، وحالة الريبة والشك في قدرة الحكومة على مواجهة الأزمات، ومعالجة الاختلالات على كثرتها وتنوعها وتعقيداتها المتراكمة.
على مدى السنوات الماضية تعرض البرلمان لانتقادات شديدة، ورسمت له صورة مشوهة، من خلال المشادات الكلامية، والمبالغات التعبيرية، وفي رأيي أن تلك الصورة فيها ظلم كبير لأغلبية من النواب الذين عملوا بجد وإخلاص، من خلال اللجان النيابية المختلفة، وقد كان على المجلس أن يهتم بصورته وسمعته، وأن يطبق نظامه الداخلي بصورة حاسمة.
الأغلبية الوطنية متأثرة بتلك الأوضاع جميعها، والانطباعات الأولية توحي بعدم الاهتمام بالانتخابات المقبلة، خاصة إذا تفاقم الوضع الوبائي لا سمح الله، ولست أدري من هي الجهات المسؤولة عن تحفيز المواطنين على المشاركة القوية في الانتخابات البرلمانية، ولكني أعرف مثلما يعرف كثيرون أن الانتخابات النيابية وفي هذا الوقت بالذات، تتجاوز بالنسبة لنا مجرد اختيار ممثلينا لدى السلطة التشريعية، إلى ما هو أكثر عمقا وأهمية لضمان استقرار بلدنا وأمنه وترسيخ قوته، ودوره ومكانته على المستويين الإقليمي والدولي.
لا مفر لنا إلا أن نكون مع الانتخابات، ومن واجب الوزارات والمؤسسات، وهيئات المجتمع المدني أن تدفع في هذا الاتجاه أكثر من أي وقت مضى، فقضيتنا ليست محددة بالديمقراطية في حد ذاتها، وإنما في ترسيخ قواعد صمودنا في وجه التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، حتى ذلك الكاتب البلجيكي لم يدع إلى مقاطعة العملية الانتخابية، وإنما إلى تغيير وتعظيم وسائل واساليب المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وتحسين نوعية الحياة، وصناعة المستقبل، وضمان قوة الدول، وتحقيق مصالحها، وطموحات شعوبها.