معادلة .. الخريف والفصائل

أخبار البلد-

 

نحن اليوم في مستهل خريف جديد لفصائل شاخت ، ليس بالمعنى السلبي او الايجابي ، بل بالمعنى البيولجي، اربعة عشر فصيلا، حضر أمناؤها وحاضروا، كلهم في استحقاقات الخريف ، اصغرهم في الخامسة والستين ، وأخطرهم من غابوا ، ولا أحد يعرف متى سيحضروا باستثناء كوشنير .

كيف يمكن للخريف ان يتصدى للخريف ، خريف طويل ابتدأ بعد الخروج من بيروت قبل نحو اربعين سنة، يوم قال محمود درويش: "خريفنا يدنو من الابواب ، بحر لأيلول جديد ، وللزمان المستعار ، احمل فراغك وانكساري ، ستتسع الصحاري ، لنصفق لاغتصاب نسائنا في شارع الشرف التجاري".

خريف يطول اجدادنا واباءنا والكثير من شهداء ابنائنا وبناتنا في قبورهم وسجونهم ، من ان عودة اللاجئين قضية "احلام يقظة" عمّرت سبعين سنة وانطوت ، ذهبت في حال سبيلها ، مع دير ياسين وصفد و صبرا وشاتيلا ، يومها قال الدرويش : "صبرا تغني نصفَها المفقودَ بين البحرِ والحربِ الأخيرهْ: لمَ ترحلونَ ؟ وتتركون نساءَكم في بطنِ ليلٍ من حديدِ ؟ وتعلِّقون مَسَاءَكُمْ فوق المخَّيم والنشيدِ ؟ كَمْ مرةً ستسافرونْ ؟ ولأيِّ حُلمْ؟ وإذا رجعتم ذات يومْ ، فلأيِّ منفى ترجعونَ . صبرا تمزق صدرها المكشوفَ : كم مَرَّهْ تتفتَّحُ الزهرهْ ، كم مرَّةً ستُسافر الثورهْ" .

خريف يمتد من واشنطن ليحط في الامارات العربية عبر أجواء مكة والمدينة والقاهرة وعمان ومسقط والخرطوم والرباط ورام الله، بعد ان أسقطت القدس برمتها واصبحت "اورشليم" بما في ذلك باب حطة وشارع صلاح الدين وباب المغاربة وكنيسة القيامة . يومها قال الدرويش : "اسحبْ ظلالكَ عن بلاطِ الحاكمِ العربيِّ حتى لا يُعَلِّقها وساماً ، واكسرْ ظلالك كُلَّها كيلا يمدُّوها بساطاً أو ظلاما ، سقط القناعُ ، عرَبٌ أَطاعوا رُومَهم ، عَرَبٌ وباعوا رُوْحَهُم ، عَرَبٌ.. وضاعوا ".

لم يقل أحد اين اخطأ او أصاب في مسيرة الثورة التي أزهقت نصف عمرها تقريبا على التفاوض العلني المباشر او التفاوض السري بوسيط ، وبدا الامناء في مداخلاتهم ، كأنهم يريدون حفظ خط الرجعة ؛ المقاومة شعبية سلمية ، وكأن الاحتلال حين يتصدى لأي مظهر فلسطيني ، يتصدى له بشعبه وبطرق سلمية ، حتى مفاوضاته لم تكن سلمية ؛ استفزازية وابتزازية وتهديدية وعقوباتية ، حتى طالت اموال المقاصة . لقد بدا المشهد لمن لا يعرف شيئا عن هذا الصراع ، ان هؤلاء المتحدثين هم الذين يحتلون اسرائيل ، لا ان اسرائيل هي التي تحتلهم وارضهم وشعبهم.

لكنهم ، ويا للمفارقة ، كلهم قالوا شيئا عن كيفية الحل ، وشخصوا ومحصوا ودققوا وحدقوا ، دون ان يحمّل احد فصيله مسؤوليته في هذا الخريف . لم يسأل أحد رأس الثورة ، ما سأله محمود درويش قبل اربعين سنة : "ماذا تريدُ؟ عَلَمَاً؟ وماذا تنفع الأعلامُ ... هل حَمَتِ المدينَةَ من شظايا قنبُلَهْ؟ ماذا تريدُ ؟ جريدةً؟ .. أتفقِّسُ الأوراقُ دُوريّاً وتغزلُ سنبُلَهْ؟ ماذا تريدُ؟ أشْرِطَةً؟ .. هل يعرف البوليسُ أين ستحبل الأرضُ الصغيرةُ بالرياح المُقْبِلَهْ؟ ماذا تريدُ؟ سيادةً فوق الرَمَادِ؟ .. فليسَ لك المكانُ ولا العروش المزبَلَهْ .. ما أوسع الثورة ، ما أضيقَ الرحلة ، ما أكبَرَ الفكرة ، ما أصغَر الدولة" .

(ملاحظة : هذه القصيدة اسماها درويش مديح الظل العالي ، اعتبرها البعض انها مديح للثورة و لرئيسها انذاك ياسر عرفات) .