هل تحقق الزيارات الأمريكية للعواصم العربية، أهدافها؟!
اخبار البلد- بقلم: راسم عبيدات
منذ ان تم الإعلان عن الإتفاق الإماراتي- الإسرائيلي التطبيعي العلني في الرابع من أب الماضي، والذي اعتبرته اسرائيل بمثابة انجاز واختراق دبلوماسي تاريخي، واعتبرت امريكا بان هذا الإتفاق يدعم الأمن والأستقرار في المنطقة، وهو مهم للمنطقة والإقليم، تعتبر امريكا واسرائيل هذا الإتفاق بمثابة حجر الدومينو،الذي سيفتح الطريق لتوسيع دائرة التطبيع العلني في المنطقة مع العديد من الدول العربية، وباتت الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية تعتقدان بأن قطار التطبيع العربي - الإسرائيلي العلني سيندفع بقوة، وخصوصاً بان هناك تصريحات صدرت عن أكثر من عاصمة عربية ترحب وتدعم وتؤيد هذا الإتفاق مثل البحرين وعُمان ومصر، وهذا شجع الإدارة الأمريكية لكي تقوم بإرسال عدة وفود للمنطقة، تسهم في إخراج التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الى العلنية بدل العلاقات السرية الممتدة بين اسرائيل والعديد من الدول العربية لسنوات طويلة في المجالات الأمنية والإستخبارية والتجارية والإقتصادية.
وضمن هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، لدولة الاحتلال يوم الإثنين الماضي، والتي تمحورت المحادثات على توسيع دائرة التطبيع بين اسرائيل والعديد العربية، والعمل على توقيع الإتفاق التطبيعي الإماراتي- الإسرائيلي في واشنطن في شهر ايلول من العام الحالي، وكذلك تنسيق الخطوات والمواقف المشتركة ضد ايران ومواجهة مشروعها في المنطقة، وخلق أوسع حالة من الاصطفاف العربي والدولي ضدها، يضاف الى ذلك النقاش في مدى خطورة تغلغل الاستثمارات الصينية في اسرائيل وبالذات في الجوانب التكنولوجية والبنى التحتية وخطورة ذلك على تكنولوجيا المعلومات الأمريكية، كما تزعم الإدارة الأمريكية، التي تشعر بأن الإتفاق الصيني- الايراني المزمع توقيعه بين البلدين بقيمة 400 مليار دولار، وبما يشمل الجوانب الأمنية والاستخبارية والعسكرية وفي مجالات الطاقة الكهربائية والنفط والبنى التحتية والسكك الحديدية، سيكون له تأثير مباشر على المصالح والاستثمارات الاقتصادية الأمريكية في المنطقة، ويساهم في إفلات طهران من العقوبات الاقتصادية والمالية التي تفرضها واشنطن عليها وتفرغها من مضمونها .
ومن بعد تلك الزيارة طار بومبيو في اول رحلة جوية مباشرة من تل ابيب الى أبو ظبي، وقد برز خلاف أجل أو الغى لقاء نتنياهو بالشيخ محمد بن زايد في الإمارات، بسبب تصريحات نتنياهو برفض تزويد الإمارات بطائرات أف 35 الأمريكية، وهو ما عكس خلافاً بين نتنياهو والموساد من جهة المؤيدين لتزويد الإمارات بتلك الطائرات ضد المؤسسة العسكرية الرافضة لتزويد الإمارات بها، خوفاً من وصولها الى ما تعتبره اسرائيل بالجهات المعادية، على الرغم ان أمريكا واسرائيل تعتبران الإمارات دولة حليفة موثوقة.
ولكن هذا لم يلغ أن يقوم وفد أمريكي- اسرائيلي مشترك بالوصول الى ابو ظبي امس الاول بهدف إتمام تفاصيل التطبيع.
ويُشارك في المحادثات الإسرائيلية الإماراتية في أبو ظبي وفد أميركي، يضمّ مستشار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للأمن القومي، وكبير مستشاري ترامب وصهره، جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية، آفي بيركوفيتش، ومن المتوقع ان تركز المحادثات على سبل تعزيز التعاون بين إسرائيل والإمارات في مجموعة متنوعة من المجالات؛ مثل الطيران والسياحة والتجارة
الوفدان الأمريكي والإسرائيلي برئاسة جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي ومبعوثه الخاص للمنطقة ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، اللذان وصلا في رحلة مباشرة لطائرة العال الإسرائيلي والتي تحمل رقم 971 من مطار اللد الى دولة الإمارات يوم الإثنين الماضي، استبقها رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، وبعد الإعلان عن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، بإصدار مرسوم بإلغاء القانون الاتحادي بشأن مقاطعة إسرائيل والعقوبات المترتبة عليه، وبما يعني إلغاء قانون مقاطعة البضائع الإسرائيلية وفتح الباب امام العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل وقد علق نتنياهو على هذه الخطوة الإماراتية عبر "تويتر"،بقوله إن هذه "الخطوة الهامة من شأنها دفع الازدهار والسلام في المنطقة قدماً".
وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، إن إلغاء مقاطعة إسرائيل "خطوة مهمة باتجاه سلام حقيقي، سيؤدي إلى إنجازات اقتصادية وتجارية لكلا الشعبين".
في الوقت الذي يسير فيه قطار التطبيع العلني الإماراتي- الإسرائيلي بخطوات متسارعة جداً، نجد بأن قطار التطبيع يواجه استعصاءات على صعيد انضمام دول عربية أخرى، فالسودان التي التقي رئيس مجلسها العسكري الإنتقالي عبد الفتاح البرهان مع رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو في الخامس من شباط الماضي في بلدة عنتيبه الأوغندية لتطبيع العلاقات بين البلدين، يبدو أن الحالة الشعبية السودانية فيه رافضة للتطبيع وكذلك تحالف اتحاد قوى الحرية والتغيير الذي أبلغ رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الذي إلتقى وزير الخارجية الأمريكي في الخرطوم يوم الثلاثاء 25/8/2020،بأن المجلس العسكري الانتقالي لا يمتلك تفويضاً للبت في قضية التطبيع، قد فرمل من التطبيع ما بين السودان ودولة الاحتلال، فبومبيو حمل مشروع شطب دولة السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب مقابل التطبيع العلني مع دولة الاحتلال، ولكن هذا الإبتزاز وتلك المقايضة لم ينجحا..
وفي الوقت الذي كانت فيه العيون متجهة لدولة البحرين كمرشحة ثانية للانضمام الى قطار التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي العلني كونها احتضنت الورشة الإقتصادية – الشق الإقتصادي- لصفقة القرن الأمريكية في عاصمتها المنامة 25 و26 من حزيران 2019 ،فإن إلتصاق مملكة البحرين بالموقف السعودي، جعلها تقول لبومبيو أنها لن تنضم لقطار التطبيع كونها ملتزمة بمبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت 2002 ،والتي نصت على " الأرض مقابل السلام"، وكذلك فعلت سلطنة عُمان التي زارها بومبيو.
خط سير التطبيع العلني يتصاعد ويسير بسرعة كبيرة، وينتج عنه اتفاقيات وتعاون في الكثير من المجالات والقطاعات، والتي وصلت الى حد إلغاء القانون الإتحادي المتعلق بمقاطعة اسرائيل والعقوبات المترتبة عليها، تمهيداً للتوقيع على "معاهدة السلام" بين دولة الاحتلال ودولة الإمارات في واشنطن في أيلول الجاري.
نحن نقول ان التطبيع العلني الإماراتي- الإسرائيلي يتقدم وبخطى سريعة، ويواجه استعصاءات على صعيد الدول التي تراهن اسرائيل وأمريكا عليها لكي تشرعن علناً علاقاتها التطبيعية بدولة الاحتلال مثل البحرين وعُمان والسودان، ولعل الحالة الشعبية العربية الرافضة للتطبيع تقف عائقاً امام ذلك، وكذلك فان النظام الرسمي العربي لا يمكن ان يتجاوز في مواقفه وعلاقاته التطبيعية دولة كالسعودية، كانت مبادرة السلام العربية التي كان مهندسها وصاحبها الأمير والملك السعودي لاحقاً عبد الله بن عبد العزيز... والتي تنص على الأرض مقابل السلام. ولذلك نرى بأن قطار التطبيع العربي الرسمي، وإن بدا متوقفاً وغير علني ،ولكن بدون أن يكون هناك حوامل جدية، قوى حزبية ومؤسسات مجتمع مدني وجماهير شعبية، لديها برنامج عملي وواقعي يتصدي لنهج وخيار التطبيع في المنطقة العربية.
تبقى الإحتمالات كبيرة في أن تنجح أمريكا واسرائيل في إحداث اختراقات تطبيعية مع العديد من الدول العربية الأخرى، ولعل نتائج زيارة الوفد الأمريكي- الإسرائيلي الى دولة الإمارات،والتي واضح بان من اهدافها تقديم خدمة انتخابية شخصية لترامب وخدمة شخصية داخلية لنتنياهو، تأتي في إطار ممارسة الضغوط على العديد من الدول العربية لكي تنضم لتوقيع "معاهدة السلام" ما بين اسرائيل ودولة الإمارات في واشنطن.