شيطنة المجتمع المدني
اخبار البلد-بقلم: سائد كراجة
المجتمع المدني هو كل تجمع طوعي للمواطنين ما بعد الفرد وما قبل الدولة، وفي حالتنا الأردنية يضم المجتمع المدني الجمعيات التطوعية والخيرية والتعاونية والثقافية والأندية بكل أنواعها بما في ذلك جمعيات الروابط العائلية، ويضاف لها بالمفهوم الواسع للمجتمع المدني النقابات المهنية والعمالية والأحزاب السياسية.
الأردن سبَاق لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، فقد أُسست أول جمعية فيه عام 1932، وهي جمعية الإخاء الأرثوذكسية، كما أسس أول حزب في الأردن عام 1921، وهو حزب الاستقلال بقيادة رشيد طليع، ولا ننسى أن تنظيم الإخوان المسلمين كان أيضاً مسجلا كـ «جمعية»، وامتد عمله تحت هذا الهيكل القانوني لفترة طويلة.
منذ الخمسينيات وحتى عودة الديمقراطية عام 1989 كانت العلاقة بين الدولة وبين أغلب منظمات المجتمع المدني وخاصة الأحزاب والنقابات علاقة عدائية متوترة، وفي فترة الأحكام العرفية وحظر العمل الحزبي العلني أخذت النقابات دور العمل السياسي الحزبي، وصارت هي وبعض منظمات المجتمع المدني ساحة بديلة للعمل السياسي العلني، وكانت رغم الحظر العرفي تجري انتخابات النقابات بقوائم وشخصيات حزبية كحزب البعث العربي السوري والعراقي والحزب الشيوعي، وفيما بعد المنظمات الفلسطينية فتح والشعبية والديمقراطية وغيرها.
أغلب الأحزاب السياسية والمنظمات «الفدائية» وأغلب شخصيات العمل النقابي كانت في نزاع مباشر مع السلطة، تطرفت في دعواتها ضد السلطة، وتعاملت معها باعتبارها حليفاً «للقوى غير التقدمية»، وبالمقابل سعت مؤسسات الدولة في تلك الفترة لتحجيم منظمات المجتمع المدني والعمل للسيطرة على نشاطها، وترسخَ في ذهن مؤسسات الدولة والقائمين عليها هذا المفهوم العدائي في مواجهة أغلب منظمات المجتمع المدني.
في عام 2008 تم استبدال قانون الجمعيات لعام 1966 بقانون جديد، يحتفي رغم كل ما فيه من إشكالات بمنظمات المجتمع المدني، وقد نص على أشكال مختلفة من الجمعيات علماً أن عدد الجمعيات المسجلة في الأردن حتى اليوم نحو 6000 جمعية، من جانب آخر، تم تعديل قانون الشركات بإضافة نص يبيح إنشاء شركات غير ربحية في مجالات التدريب والتعليم والصحة، وهذا النوع من الشركات لا يوزع أرباحاً على الشركاء، وهو نموذج معروف عالمياً لمنظمات المجتمع المدني، وقد سجل الأردن حتى الآن نحو 1600 شركة غير ربحية. ولكن ومع هذا التطور التشريعي وازدياد عدد منظمات المجتمع المدني إلا أن عقل مؤسسات الدولة والكثير من الأشخاص القائمين على مؤسسات المجتمع المدني ما زالوا يتعاملون مع مفهوم المجتمع المدني وكثير من منظماته بكثير من التوجس، وما زالوا يعاملون هذه المنظمات باعتبارها جسما خارجا عن الدور الذي رسم لها.
وفي هذا السياق، هناك حجم كبير من الشيطنة والتشكيك في دور المجتمع المدني وفي تعطيل عمله سواءً عند التسجيل أو أثناء العمل رغم أن منظمات المجتمع المدني بحكم القانون تقدم لمؤسسات الدولة سنوياً تقريراً بنشاطها كما تقدم ميزانية سنوية مدققة من شركة تدقيق حسابات قانونية تبين أوجه صرف أموالها والمشاريع التي نفذتها.
فإذا كنا نفهم الأسباب التاريخية التي جعلت الدولة تقف موقفاً سلبياً من بعض منظمات المجتمع المدني، فانه أمام واقع الحال والدور المهم الذي يمكن أن تقدمه هذه المنظمات، يثور التساؤل عن سبب استمرار بعضهم في شيطنة منظمات المجتمع المدني وتعطيل عملها أو تسجيلها من حيث المبدأ، وأعتقد أنه آن الأوان لأن تصارح الدولة المجتمع المدني ومنظماته وأن تعلن موقفها الصريح من هذه المنظمات، ـ أعرف أن بعض المنظمات وبعض أشخاص المجتمع المدني قد أساؤوا للمجتمع المدني ـ كما أعتقد أنه آن الأوان لإعلان تعليمات ملزمة للحاكمية الرشيدة لضبط أداء منظمات المجتمع المدني، ولكن لا يجوز تحت أي ظرف أن يؤخد كل المجتمع المدني بجريرة بعضهم المخطىء أو المسيء، ولا يجوز أن نصل لمرحلة يوقف فيها مسؤول أو وزير نصوص القانون، وأن يعطل عمل هذه المنظمة أو تلك مع أنه من حقه القانوني أن يحيل كل مسيء أو مخالف للقانون للمحاكم ليأخذ القضاء مجراه. خطير جداً أن نستبدل القانون برأي شخص مسؤول في أي موقع كان، أو أن تصبح أفكاره وأحكامه الخاصة بديلاً عن القانون، فإن كانت الدولة ترى في النصوص القانونية مدخلاً للاستغلال السلبي لمنظمات المجتمع المدني، فعليها أن تعدل القانون لا أن تعطله وتستبدله بأحكام وثقافات شخصية للمسؤول الذي يقوم على هذا الملف، وإلا أصبحت سيادة الهوى والرأي الشخصي بديلاً لسيادة القانون.
الأردن سبَاق لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، فقد أُسست أول جمعية فيه عام 1932، وهي جمعية الإخاء الأرثوذكسية، كما أسس أول حزب في الأردن عام 1921، وهو حزب الاستقلال بقيادة رشيد طليع، ولا ننسى أن تنظيم الإخوان المسلمين كان أيضاً مسجلا كـ «جمعية»، وامتد عمله تحت هذا الهيكل القانوني لفترة طويلة.
منذ الخمسينيات وحتى عودة الديمقراطية عام 1989 كانت العلاقة بين الدولة وبين أغلب منظمات المجتمع المدني وخاصة الأحزاب والنقابات علاقة عدائية متوترة، وفي فترة الأحكام العرفية وحظر العمل الحزبي العلني أخذت النقابات دور العمل السياسي الحزبي، وصارت هي وبعض منظمات المجتمع المدني ساحة بديلة للعمل السياسي العلني، وكانت رغم الحظر العرفي تجري انتخابات النقابات بقوائم وشخصيات حزبية كحزب البعث العربي السوري والعراقي والحزب الشيوعي، وفيما بعد المنظمات الفلسطينية فتح والشعبية والديمقراطية وغيرها.
أغلب الأحزاب السياسية والمنظمات «الفدائية» وأغلب شخصيات العمل النقابي كانت في نزاع مباشر مع السلطة، تطرفت في دعواتها ضد السلطة، وتعاملت معها باعتبارها حليفاً «للقوى غير التقدمية»، وبالمقابل سعت مؤسسات الدولة في تلك الفترة لتحجيم منظمات المجتمع المدني والعمل للسيطرة على نشاطها، وترسخَ في ذهن مؤسسات الدولة والقائمين عليها هذا المفهوم العدائي في مواجهة أغلب منظمات المجتمع المدني.
في عام 2008 تم استبدال قانون الجمعيات لعام 1966 بقانون جديد، يحتفي رغم كل ما فيه من إشكالات بمنظمات المجتمع المدني، وقد نص على أشكال مختلفة من الجمعيات علماً أن عدد الجمعيات المسجلة في الأردن حتى اليوم نحو 6000 جمعية، من جانب آخر، تم تعديل قانون الشركات بإضافة نص يبيح إنشاء شركات غير ربحية في مجالات التدريب والتعليم والصحة، وهذا النوع من الشركات لا يوزع أرباحاً على الشركاء، وهو نموذج معروف عالمياً لمنظمات المجتمع المدني، وقد سجل الأردن حتى الآن نحو 1600 شركة غير ربحية. ولكن ومع هذا التطور التشريعي وازدياد عدد منظمات المجتمع المدني إلا أن عقل مؤسسات الدولة والكثير من الأشخاص القائمين على مؤسسات المجتمع المدني ما زالوا يتعاملون مع مفهوم المجتمع المدني وكثير من منظماته بكثير من التوجس، وما زالوا يعاملون هذه المنظمات باعتبارها جسما خارجا عن الدور الذي رسم لها.
وفي هذا السياق، هناك حجم كبير من الشيطنة والتشكيك في دور المجتمع المدني وفي تعطيل عمله سواءً عند التسجيل أو أثناء العمل رغم أن منظمات المجتمع المدني بحكم القانون تقدم لمؤسسات الدولة سنوياً تقريراً بنشاطها كما تقدم ميزانية سنوية مدققة من شركة تدقيق حسابات قانونية تبين أوجه صرف أموالها والمشاريع التي نفذتها.
فإذا كنا نفهم الأسباب التاريخية التي جعلت الدولة تقف موقفاً سلبياً من بعض منظمات المجتمع المدني، فانه أمام واقع الحال والدور المهم الذي يمكن أن تقدمه هذه المنظمات، يثور التساؤل عن سبب استمرار بعضهم في شيطنة منظمات المجتمع المدني وتعطيل عملها أو تسجيلها من حيث المبدأ، وأعتقد أنه آن الأوان لأن تصارح الدولة المجتمع المدني ومنظماته وأن تعلن موقفها الصريح من هذه المنظمات، ـ أعرف أن بعض المنظمات وبعض أشخاص المجتمع المدني قد أساؤوا للمجتمع المدني ـ كما أعتقد أنه آن الأوان لإعلان تعليمات ملزمة للحاكمية الرشيدة لضبط أداء منظمات المجتمع المدني، ولكن لا يجوز تحت أي ظرف أن يؤخد كل المجتمع المدني بجريرة بعضهم المخطىء أو المسيء، ولا يجوز أن نصل لمرحلة يوقف فيها مسؤول أو وزير نصوص القانون، وأن يعطل عمل هذه المنظمة أو تلك مع أنه من حقه القانوني أن يحيل كل مسيء أو مخالف للقانون للمحاكم ليأخذ القضاء مجراه. خطير جداً أن نستبدل القانون برأي شخص مسؤول في أي موقع كان، أو أن تصبح أفكاره وأحكامه الخاصة بديلاً عن القانون، فإن كانت الدولة ترى في النصوص القانونية مدخلاً للاستغلال السلبي لمنظمات المجتمع المدني، فعليها أن تعدل القانون لا أن تعطله وتستبدله بأحكام وثقافات شخصية للمسؤول الذي يقوم على هذا الملف، وإلا أصبحت سيادة الهوى والرأي الشخصي بديلاً لسيادة القانون.