إنقاذ الأرض قبل تسريحة الشعر
اخبار البلد- بقلم: نجيب صعب
بعد أقل من أسبوع على صدور التحقيق الخاص في «الشرق الأوسط» عن الارتفاع غير المسبوق في حرارة الأرض، تجاوزت الحرارة في «وادي الموت»، المتنزه الوطني الشهير في شرقي كاليفورنيا، 55 درجة مئوية. وكانت هذه أقصى ما سُجل منذ مائة سنة في هذا المكان الأعلى حرارة على وجه الأرض. كما سجلت الحرارة في أوروبا أعلى درجاتها لأيام متتالية، ليس في جنوب القارة فقط، بل في وسطها وشمالها. ففي هولندا، تخطت الحرارة 37 درجة مئوية على مدى أسبوع، وهي كانت تجاوزت في السنة التي سبقتها عتبة الـ40 درجة، لأول مرة في التاريخ وليوم واحد. وفي حين تخطت الحرارة في بغداد 51 درجة مئوية، وصلت في بعض مناطق القطب الشمالي إلى 38 درجة، ما يهدد بذوبان سريع للجليد. وقد أظهر التحقيق أن كل عقد من الزمن خلال السنوات الستين الماضية شهد ارتفاعاً في معدلات الحرارة عن العقد الذي سبقه، مما يؤكد اتجاهاً لا رجوع عنه ما لم تُتخذ إجراءات سريعة حاسمة.
أذكر أن التقرير الأول الذي كتبتُه عن التغير المناخي نُشر عام 1988. خلال فترة شهدت كوارث مناخية متطرفة، من جفاف وأعاصير. قلت يومذاك إن هذا ليس إلا مقدمة وتجربة متواضعة لما سوف يتحقق حين يحصل التغير المناخي الكبير. كنت في ذلك الوقت أتولى مهمات استشارية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تحت قيادة مصطفى كمال طلبة، إلى جانب عملي الهندسي الخاص. وأعترف هنا أننا لم نتوقع في ذلك الوقت أن يحصل التغير الكبير في المناخ بهذه السرعة الفائقة. وأعترف أيضاً أنني، رغم كل ما قرأت وكتبت، ما كنت أنتظر، حتى وقت قريب، أن أشاهد التغيرات الكبرى في جيلي.
لكن حادثة حصلت معي العام الماضي كان لها أثر الصدمة. فقط طلب مني صديق يحضر لبناء بيت في هولندا، المعروفة ببرودة الطقس، أن أرافقه في زيارة إلى المهندس المعماري الذي يعمل على التصاميم. وهو كان يبتغي الحصول على ملاحظاتي، كزميل معماري سابق. اقتراحي الأول كان زيادة المساحات الزجاجية لجهة الجنوب، وهي الأفضل لالتقاط أشعة الشمس أطول وقت ممكن. فالبيت يقع في منطقة باردة، ودخول الشمس مباشرة يمنحه دفئاً طبيعياً. جواب المهندس كان عرض رسوم بيانية وجداول تظهر أن المشكلة الحقيقية، في هذا البلد البارد تقليدياً، لم تعد في الصقيع، بل صارت في ارتفاع الحرارة، مما يستدعي الحد من التسخين الطبيعي للبيت. كما لفتني في التصميم خزان كبير تحت الأرض لجمع مياه الأمطار عن سطح البيت، في بلد معروف بكثرة الأمطار والأنهار، وكان اهتمام أهله عبر مئات السنين بناء الحواجز والسدود للحماية من المياه. شرح المهندس أن ذلك البلد، الغني بالمياه، يعاني اليوم من شح كبير في الأمطار لا يقتصر على أشهر الصيف، بل يمتد لفترات طويلة خلال فصلي الربيع والخريف. وبينما كانت إدارة المياه في هولندا تتركز في التخلص من الأمطار سريعاً، أصبحت تُعنى بالحفاظ عليها.
كنا نتوقع أن يؤدي هذا الكم الهائل من التقارير العلمية الحديثة عن وقائع ارتفاع الحرارة، مع موجات الجفاف التي رافقتها في مناطق عدة من العالم، إلى تحول جذري وسريع عند المشككين. لكن يبدو أن هذا لم يحصل في حالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع أن أكبر ارتفاع تاريخي للحرارة حصل في الولايات المتحدة. ففي حين انتظر المراقبون تشديد القيود على استخدام المياه لمنع هدرها، حصل العكس. فالرئيس تجاهل الرقم التاريخي للحرارة في شرق كاليفورنيا، وطالب في كلمة، أثناء زيارة انتخابية له إلى مصنع ينتج أجهزة مياه للحمامات المنزلية، بإلغاء القيود على كمية المياه القصوى المسموحة من الدش. فمنذ 30 عاماً، صدر قانون يفرض ألا يسمح تصميم الدش بخروج أكثر من 10 لترات من المياه كل دقيقة أثناء الاستحمام. وبرر مطالبته بأن «الشكل المثالي للشَعر يتطلب ضغطاً أكبر للمياه». وشرح السيد الرئيس أنه، بضغط مياه خفيف، «لا يمكن أن تغسل شعرك الجميل بالطريقة الصحيحة، إذا كنت مثلي». ولم تثنِ الحرائق الضخمة التي عمت كاليفورنيا بسبب الجفاف الرئيس ترمب عن التقدم بمشروع قانون يخفف القيود على استهلاك المياه.
ما يطالب به الرئيس يؤدي إلى مضاعفة كمية المياه خلال الاستحمام بين 3 و4 مرات. وقد أجابه الاختصاصيون بأن زيادة الضغط ممكنة عن طريق اختيار دش بتصميم خاص، وهو متوافر في المتاجر، وليس بالضرورة زيادة كمية المياه بزيادة عدد الفتحات. لكنه أصر على مطالبته بتعديل القانون، «حفاظاً على شعره الجميل».
حرارة الكوكب ترتفع والمناخ يتغير والمياه تتضاءل، من بغداد إلى كاليفورنيا، مروراً بباريس وأمستردام. هذا يفرض تبديلاً فورياً في السياسات الحكومية والممارسات الشخصية. ولا بد للرئيس الأميركي من إيجاد طريقة بديلة لغسل شعره وتسريحه بلا هدر للمياه.
أذكر أن التقرير الأول الذي كتبتُه عن التغير المناخي نُشر عام 1988. خلال فترة شهدت كوارث مناخية متطرفة، من جفاف وأعاصير. قلت يومذاك إن هذا ليس إلا مقدمة وتجربة متواضعة لما سوف يتحقق حين يحصل التغير المناخي الكبير. كنت في ذلك الوقت أتولى مهمات استشارية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تحت قيادة مصطفى كمال طلبة، إلى جانب عملي الهندسي الخاص. وأعترف هنا أننا لم نتوقع في ذلك الوقت أن يحصل التغير الكبير في المناخ بهذه السرعة الفائقة. وأعترف أيضاً أنني، رغم كل ما قرأت وكتبت، ما كنت أنتظر، حتى وقت قريب، أن أشاهد التغيرات الكبرى في جيلي.
كنا نتوقع أن يؤدي هذا الكم الهائل من التقارير العلمية الحديثة عن وقائع ارتفاع الحرارة، مع موجات الجفاف التي رافقتها في مناطق عدة من العالم، إلى تحول جذري وسريع عند المشككين. لكن يبدو أن هذا لم يحصل في حالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع أن أكبر ارتفاع تاريخي للحرارة حصل في الولايات المتحدة. ففي حين انتظر المراقبون تشديد القيود على استخدام المياه لمنع هدرها، حصل العكس. فالرئيس تجاهل الرقم التاريخي للحرارة في شرق كاليفورنيا، وطالب في كلمة، أثناء زيارة انتخابية له إلى مصنع ينتج أجهزة مياه للحمامات المنزلية، بإلغاء القيود على كمية المياه القصوى المسموحة من الدش. فمنذ 30 عاماً، صدر قانون يفرض ألا يسمح تصميم الدش بخروج أكثر من 10 لترات من المياه كل دقيقة أثناء الاستحمام. وبرر مطالبته بأن «الشكل المثالي للشَعر يتطلب ضغطاً أكبر للمياه». وشرح السيد الرئيس أنه، بضغط مياه خفيف، «لا يمكن أن تغسل شعرك الجميل بالطريقة الصحيحة، إذا كنت مثلي». ولم تثنِ الحرائق الضخمة التي عمت كاليفورنيا بسبب الجفاف الرئيس ترمب عن التقدم بمشروع قانون يخفف القيود على استهلاك المياه.
ما يطالب به الرئيس يؤدي إلى مضاعفة كمية المياه خلال الاستحمام بين 3 و4 مرات. وقد أجابه الاختصاصيون بأن زيادة الضغط ممكنة عن طريق اختيار دش بتصميم خاص، وهو متوافر في المتاجر، وليس بالضرورة زيادة كمية المياه بزيادة عدد الفتحات. لكنه أصر على مطالبته بتعديل القانون، «حفاظاً على شعره الجميل».
حرارة الكوكب ترتفع والمناخ يتغير والمياه تتضاءل، من بغداد إلى كاليفورنيا، مروراً بباريس وأمستردام. هذا يفرض تبديلاً فورياً في السياسات الحكومية والممارسات الشخصية. ولا بد للرئيس الأميركي من إيجاد طريقة بديلة لغسل شعره وتسريحه بلا هدر للمياه.