ستة ساعات من الشمس تكفي لإضاءة الأرض سنة كاملة
أخبار البلد-
"في فصل الصيف كنت أدفع مئة وعشرين دينار "،هكذا عبر المواطن الأردني مصطفى كناكريه عن سبب بحثه عن طريقة بديلة لتغذية منزله بالطاقة التي يحتاجها هو وأفراد أسرته المكونة من خمسة أشخاص، ومع أن كناكريه يعتبر نفسه من أصحاب الدخل المرتفع، إلا أن أسعار الطاقة باتت تشكل عبئا كبيرا عليه على حد تعبيره .
بدأت رحلة كناكريه مع الطاقة الشمسية عندما سمع عن شركات توليد الطاقة المحلية خلال مشاهدته لإحدى القنوات التلفزيونية وما تحويه إعلانات تبثها من تشجيع على الإستفادة من البرامج الحكومية مثل تخفيض سعر النظام وتقسيطه عن طريق صندوق المعونة الوطنية أو البنوك العاملة في المملكة ، حيث قام بالإتصال باحدى هذه الشركات لأخذ قياسات "سطح منزله" وقراءة عداد الكهرباء على فترات متباعدة وعمل الدراسة اللازمة لمعرفة تطابق الشروط الموضوعة من قبل الجهات المختصة، وكمية التيار التي يحتاجها كناكريه وعائلته شهريا.
يقول كناكرية إن توليد الطاقة الكهربائية عن طريق الشمس" أمرٌ كان مستبعدا لي شخصيا لما أسمعه عن مشاكل وأعطال تحدث فجأة"، وبالتالي انقطاع الكهرباء عن المنزل وحدوث أعطال في أجهزته نتيجة ضعف التيار بين الحين والآخر، وكذلك عدم وجود المعلومة الكاملة لديه عن كيفية عمل نظام الطاقة الشمسية خلال فصل الشتاء وفي فترات المساء حين تغيب الشمس" .
ويوضح كناكرية أن التجربة إلى الآن" ناجحة بامتياز"، حيث أن التيار الكهربائي المولد من خلال الطاقة الشمسية يكفيه هو وعائلته دون انقطاع حتى في فصل الشتاء حيث لا يكون هناك أثر واضح للشمس، وأن تكلفة الفاتورة التي كانت في فصل الصيف تصل الى 120 دينار أصبحت فقط 20 ديناروهي أوقات من السنة قال عنها كناكريه "بأنها كانت تشكل عبئا كبيرا عليه" .
تشير الأرقام الواردة من وزارة الصناعة والتجارة إلى أن عدد الشركات المرخصة العاملة في قطاع الطاقة الشمسية وصل إلى 435 شركة منتشرة على كامل جغرافيا المملكة، وهو عدد كبير من الشركات لا يتناسب مع حجم الطلب من المواطنين والاجراءات الحكومية في الأردن بحسب وصف خبير الطاقة المتجددة في الجامعة الأردنية الدكتور أحمد السلايمة.
السلايمة وضح أن العدد الكبير لشركات الطاقة الشمسية سببه الطفرة التي حققها هذا القطاع في عامي 2018-2019، حيث شهد قطاع الطاقة المتجددة إقبالاً كبيرا من قبل المواطنين والمؤسسات بمختلف أشكالها، مما دفع الكثير من المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال إلى التوجه نحو هذا القطاع وإنشاء شركات للطاقة المتجددة، ومع بداية العام 2020 ونتيجة لبعض الإجراءات الحكومية مثل تحديد نوع الإشتراك وكمية ما يلزم للمواطن من الطاقة أدى هذا إلى ركود كبير شهدته هذه الشركات.
ويوضح السلايمة أن هذه الشركات كانت ملاذا آمنا لدى العديد من المهندسين ومن يعملون في تركيب هذه الأنظمة ، ونتيجة للركود الذي شهده هذا القطاع قامت العديد من الشركات بالاستغناء عن موظفيها أو فتح خطوط جديدة للإنتاج مثل السخانات الشمسية وكذلك نظام البطاريات، وهو نظام يقوم بتوليد الكهرباء عن طريق الشمس ولكن دون الحاجة إلى انتظار موافقة من شركة الكهرباء الرئيسية، إلا أن هذه الأنظمة لم تلق إلى الآن الطلب الكبير من قبل المواطنين.
وأشار السلايمة إلى أن ستة ساعات من الشمس على الكرة الأرضية تكفي لإضاءة العالم سنة كاملة، وهو ما يعني أن الحكومة يجب أن تسير بمنحنى أسرع تجاه استغلال هذه الطاقة المجانية، وأن تقوم ببناء شبكة كهرباء جديدة بدل القيام بتفريغ الكهرباء الزائدة في الهواء، أو العمل على بيع هذه الشحنات الزائدة إلى الدول المجاورة وبالتالي تحقيق دخل مالي يساهم في تخفيض المديونية العامة التي وصلت إلى 42 مليار دولار، وهو رقم يمكن العمل على تخفيضه من خلال استغلال موقع المملكة، حيث تمتاز المملكة بموقعها الحار، وتوفر أعلى نسبة حركة رياح نشطة في مدينة الطفيلة مما يعني القدرة على توليد الكهرباء من حركة الرياح.
من جانبه، قال صاحب شركة" اللينز للطاقة المتجددة"، المهندس عمر البزور، إن الإجراءات الحكومية ساهمت بشكل كبير في الحد من ازدياد الطلب على تركيب أنظمة توفير الطاقة، ومن ضمن هذه الاجراءات ما قال عنه " ضعف الشبكة الكهربائية"، حيث تقوم شركة الكهرباء بالعادة بوضع محول في منطقة مأهولة بالسكان، وتشترط الشركة بأن لا يتجاوز عدد مشتركي الطاقة المتجددة على المحول الرئيسي ما نسبته 15% وهو ما يعني عدم السماح لكثير من المواطنين بالتقدم للحصول على خدمة شركات قطاع الطاقة المتجددة.
ويوضح البزور أن شركة الكهرباء تبرر ذلك بأن الطاقة المولدة من المواطنين الذين قاموا بتركيب نظام توليد عن طريق الشمس أصبحت تغذي شبكة شركة الكهرباء الرئيسية بكميات طاقة كبيرة، وليس بمقدور الشركة بالوقت الحالي أن تقوم بتخزينها أو بيعها للآخرين، وهو ما جعل شركة الكهرباء تتفق مع وزارة الطاقة والمعادن على تقنين الموافقات الصادرة للمواطنين الذين ينتظرون هذه الموافقة قبل البدء بتركيب النظام لمنازلهم أو مؤسساتهم .
من جهته أبدىالمهنس عمر الطعاني الذي يعمل في إحدى شركات توليد الكهرباء عن طريق الأشعة الشمسية استغرابه من عدم قيام الحكومة بأخذ هذه الكميات الزائدة عن حاجة المواطنين وتوزيعها على ذوي الدخل المحدود أو القيام ببيعها إلى المؤسسات الحكومية أو المستشفيات التي قال عنها الطعاني إنها" تشكو دائما من ارتفاع الكلف "وإثقال ميزانياتها بالديون حيث تصل فاتورة الكهرباء لبعض المستشفيات إلى 6000 دينار شهريا، وهو رقم قال عنه الطعاني إنه كان "يرقبه من خلال قراءته للعدادات".
ويؤكد الخبير الإقتصادي المهندس خالد الزبيدي أن شركات الطاقة المتجددة ساهمت بشكل كبير في التوفير من تكاليف الطاقة التي تثقل كاهل المواطن، كما أنها ساعدت على خلق بيئة عمل منافسة لدى العديد من المهندسين وأصحاب التخصصات المتعلقة بتوليد الطاقة، وهو ما ساعدهم بالحصول على فرص جديدة وخبرات متراكمة جعلت منهم أيادي عاملة محترفة، حيث أصبح الكثير منهم يعملون في محطات توليد الطاقة الكبيرة المتواجدة في مختلف دول العالم، وأصبحت لليد العاملة الأردنية مميزات مقارنة بغيره ممن يعملون في نفس القطاع ، وبالتالي ساهم هؤلاء الأشخاص إلى حد كبير في تحويل العملات من الخارج إلى الداخل وهو ما يعني تحقيق عائد لهم ولأفراد أسرهم وتحريك العجلة الإقتصادية بشكل عام.
وعن الأثر البيئي للطاقة الشمسية قال الزبيدي إن الطاقة المتجددة تعتمد على حد كبير على مادة السيلكون التي تكون موجودة في الألواح الزجاجية، وهي مادة موصلة للكهرباء بشكل طبيعي دون الحاجة إلى حدوث تفاعلات بين المواد، وهو ما يحدث عادة عند توليد الطاقة من مشتقات النفط أو الفحم حيث ينتج خلالها ثاني أكسيد الكربون وهو غاز يسبب الكثير من المشاكل البيئة مثل التلوث في الهواء أو المياه .
تجدر الإشارة إلى أن وزير الطاقة والمعادن هالة زواتي قالت في تصريح لها إن "الإستدامة والإعتماد على الذات في توليد الطاقة أبرز ما تسعى له الحكومة في الوقت الحالي"، حيث قامت الوزارة بوضع استراتيجية تهدف من خلالها إلى مواكبة التحديات والمتغيرات التي ظهرت في طرق توليد الطاقة بمختلف أشكالها، وزيادة مصادر الطاقة المحلية والتي من خلالها سيتم تحقيق معدلات نمو مستدامة وخلق بيئة استثمارية جذابة"
وأشارت زواتي إلى أنه سيتم الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لترتفع إلى 30% في العام 2020 مقارنة بالعام 2018-2019 حيث كان الإعتماد على الطاقة ما نسبته 15% فقط .
وبينت زواتي أن الحكومة تقوم حاليا باجراءات سريعة وملموسة هدفها تخفيض أسعار الكهرباء على المواطنين، وتشمل هذه الإجراءات الإستمرار بتركيب أنظمة طاقة شمسية من خلال الإستفادة من عروض صندوق المعونة الوطنية والتي من خلالها يستطيع أي مواطن التقدم وتعبئة طلب للحصول على نظام طاقة شمسي مدعوم من قبل الحكومة وبأسعار منافسة وتشجيعية.
يذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت على صفحتها الرسمية، أن الهواء الملوث يتسبب بوفاة 2.2 مليون شخص سنويا جراء الإصابة بالسكتة الدماغية، وبسبب التلوث الكبير في العالم فإن 2 مليون شخص يموتون جراء الإصابة بأمراض القلب، منظمة الصحة العالمية دعت الجهات المختصة والرسمية إلى العمل على الحد من إنبعاثات الغازات السامة نتيجة حرق الوقود اللازم لتوليد الطاقة التي تحتاجها المصانع والسيارات وغيرها من الآليات الثقيلة والخفيفة والتي يحتاجها الإنسان لتسيير أمور حياته اليومية.
تقرير التلوث ومقاييس الصحة الذي تصدره منظمة الصحة العالمية سنويا، صنف الأردن في المرتبة 182 من أصل 188 دولة في معدل الوفيات نتيجة التلوث، وحسب نتائج التقرير فإنه كلما ارتفع رقم الدولة في التصنيف انخفض عدد الوفيات فيها، ويشير التقرير إلى أن الأردن حقق المركز الخامس على مستوى دول الشرق الأوسط من حيث عدد الوفيات نتيجة التلوث، وهو ما يعني أن الأردن من الدول صاحبة الهواء النقي مقارنة بالدول الأخرى ، وبحسب التقرير فإن الأردن حصل على المرتبة الثانية بين الدول العربية من حيث الدول الرائدة في تركيب الأنظمة المعتمدة على الطاقة المتجددة حيث سبقته في ذلك مملكة المغرب وتأتي بعده في الترتيب كل من قطر والبحرين والإمارات.