د. فريد العمري: نتائج الثانوية العامة الأردنية بين الرضا الشعبي والقَبُولات الجامعية
اخبار البلد-
في البداية أهنئ ابني عبدالله لنجاحه في امتحان الثانوية العامة بتفوّق في الفرع العلمي، وكذلك أهنئ جميع الطلبة الناجحين لهذا الإنجاز العلمي الرائع الذي حققوه، متمنيا لهم استمرار النجاح والتفوق، وللذين لم يحالفهم الحظ دعوة لبذل المزيد من الاجتهاد؛ فالفرصة مازالت متاحة أمامهم!!!
تحدَّثَ كثيرٌ من التربويين وخبراء التربية والمتخصصين في مجالي التربية والتعليم والامتحانات عموما، وانقسموا بين مشيد بهذه النتائج معتمدين على وجهة النظر الرسمية في إطار من نجاح السياسة التربوية، والإجراءات التي تمت بسبب إضراب المعلمين، وجائحة كورونا، وبين مقلل من قيمة هذه النتائج المرتفعة والمخرجات التعليمية عموما بسبب نوعية الامتحانات التي انبنت عليها هذه النتائج آخذين بعين الاعتبار الظروف التي مرّ بها الطلبة، حيث وصفوا هذه النتائج بالاستثنائية!!!
وقد بدا لي أن الطرفين يعبِّران عن جزء من الحقيقة التي يمتلكها كل منهما بحسب المعطيات المتوافرة بين أيديهما، ولكن تُوجد عناصر أخرى للموضوع ينبغي التركيز عليها عندما يتحدث المحللون التربويون عنها، إذ لم يولوها كثيرا من التفكير، أو الاهتمام، مُضَمَّنَةً في النقاط الآتية على سبيل المثال:
-
مستوى الامتحانات: الذين وضعوا أوراق امتحان الثانوية العامة هم معلمون، وتربويون يعرفون المعايير السليمة للسؤال المنفرد، ولورقة الامتحان عموما، وبالتأكيد كانوا حريصين على تنوع الأسئلة ما بين المناسب للطالب الذكي، وما يناسب الطالب المتوسط، وكذا ما يناسب الطالب الأقل حظا من اكتساب المعارف، ولا تختلف ورقة امتحان الرياضيات عن ورقة امتحان التربية الإسلامية، أو غيرهما إلا في درجة الصعوبة أو السهولة من حيث محتوى المادة، وعليه فلا يكون حلّ السؤال معتمدا على إجابة غير محددة بدقة، بحيث يلعب الحظ مع الطالب في توقعها، أو نقلها عن أي طالب آخر أجاب عنه (السؤال) بلا دراسة، أو فهم!!!
-
نوعية الأسئلة: علق أكثر، إن لم نقل كل المحللين على نوعية الأسئلة التي تتطلب إجابة (ضع دائرة)،أو (ضع إشارة صح)، وهذا النوع من الأسئلة قد لا ينسجم مع بعض المواد التعليمية وخاصة الأدبية منها، وإن كان يمكن تطبيقه على بعض مفرداتها، أما بالنسبة للمواد العلمية فهو مناسب، بل يفضل تطبيقه عليها، ذلك أن الإجابات لا تتعلق بالحفظ والتعبير عن الحفظ بقدر ما هي ناتجة عن الفهم العميق للمادة العلمية. ولم تكن هذه الدائرة أو إشارة الصح تختصر الإجابة على الطالب مطلقا، بل ربما تزيده رهقا أن لم يكن موفقا في الوصول إلى الإجابة الصحيحة، فقد يبدع في اتباع مراحل الإجابة واحدة بعد أخرى، ولكنه قد يخطئ في النتيجة، وهكذا تضيع عليه بعض الخطوات منها، ويفقد العلامة كاملة إن أخطأ في اختيار الدائرة الصحيحة؛ وعليه تكون هذه النوعية من الأسئلة تحديا صعبا يواجهه الطلبة الأذكياء، وليس كما يروج كثيرون من أنها سهلة، وقابلة للغش، وتعطي العلامة كاملة، أو تمنعها عن صاحبها!!!
-
من خلال التجربة العملية يتضح أن التصحيح الطبيعي قد يخلق بعض المشكلات لدى الطالب عند وضع العلامة النهائية للسؤال، فقد تخضع ورقة الطالب -وهذا شيء طبيعي نظرا لكثرة أعداد المعلمين المصححين- لفهم خاطئ، سواء بسبب نوع خط الطالب: حجما، ووضوحا، وأسلوبا، هذا في مستوى الأسئلة العادية التي تخضع للإجابات النموذجية، أما إذا تعلق الأمر بموضوع التعبير سواء في اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية، أو الأسئلة المقالية؛ فحدث ولا حرج، فلا يضع المصحح العلامة المناسبة للسؤال، وقد حدث هذا كثيرا مع الزملاء المعلمين ممن يدققون وراء المصححين أو المراجعين، حيث يراجع بعضهم أحيانا المصحح باسم الزمالة، وليس بصورة رسمية لأن علامة المصحح هي المعتمدة أخيرا، حيث يقبل بعضهم تعديل العلامة الأولى، وقد يرفض بعضهم النظر في ملحوظات زملائهم، وهكذا يخسر الطالب بعض حقه، ولا أظن أن أحد يستطيع إنكار هذا؛ فالجهد البشري مهما كان مثاليا، فإنه يخضع لنواميس الخلقة البشرية!!!
-
وصول عدد الطلاب ذوي معدل (100)، إلى حوالي (80) لا يؤشر إلى سهولة الامتحانات، ولا إلى زيادة نسبة الذكاء عند الطلاب، فلو أخذنا عدد الطلاب المتقدمين للامتحان وهو أكثر من (170) ألف طالب، وقدرنا نسبة الذكاء التي يفترض أن تكون بين هؤلاء، وهي النسبة المفترضة عالميا، وهي (2%)، حيث سيكون العدد المرشح لهذه النسبة أكبر من ذلك الرقم المعلن، ولو أضفنا إليه الطلاب الذين وصلت معدلاتهم إلى (95) إذا يعد هذا المعدل ضمن نسبة الذكاء المطلوبة في المجموعات الصفية الممتحنة لبقي عدد الطلاب الأذكياء دون المطلوب!!!
-
نسب القبول في الجامعات: لم يعد خافيا على أحد من المطلعين أو المهتمين بالشأن الجامعي أن الركود صار سمة واضحة في كل مناحي الحياة الجامعية، والمتفحص للحالة الجامعية في الجانب التعليمي يجد أنه في حالة غير مرضي عنها مطلقا، فسياسة التعيين متوقفة إلا في حالات محددة وقليلة جدا لا تكاد تذكر إلا عند ذكر الوساطات، ومن يتابع إعلانات الوظائف الجامعية يلحظ ذلك، على الرغم من الحاجة الماسة في أغلب الأقسام إن لم نقل كلها بلا استثناء، أما سياسة قبول الطلاب في مختلف الأقسام فحدث ولا حرج، وذلك على حساب جودة التعليم، وراحة الطالب والمدرس على حد سواء؛ فاكتظاظ الطلاب في القاعات سواء في مستوى البكالوريوس، أو الماجستير، أو الدكتوراه في الأقسام التي تشتمل على هذا المستوى، وفي مختلف التخصصات كذلك سواء أكانت فيها حاجة إلى مختبرات، أو قاعات تطبيقية أم لم تكن، ومن غير تخطيط سابق بما يتوافق مع سقوف القدرة الاستيعابية للجامعات عموما في كلياتها المختلفة، أو قدرة أعضاء الهيئة التدريسية وكوادرهم في مختلف الأقسام من دون استثناء؛ وبناء عليه، يجب قبل الحديث عن زيادة أعداد خريجي الثانوية العامة، وارتفاع معدلاتهم في المستويات العليا في اختلاف شديد عن السنوات السابقة يجب الحديث عن الطاقة الاستيعابية في الجامعات، وأنه يجب تحديثها وتطويرها بما يتناسب مع هذه الاعداد، إذ إن الجامعات كما أسلفت لم تحدّث برامجها، وتخصصاتها، وخططها، فضلا عن عدم تحديث بنيتها، وقدرتها الاستيعابية من حيث المباني، والمختبرات وغيرها من مرافق ضرورية، وكذلك كوادرها التعليمية والإدارية؛ فما زال الذين درسوا في الجامعات قبل ثلاثين سنة موجدين في مكاتبهم لم يبرحوها إلا مَن اختارته العناية الإلهية، ولم تراع الأقسام العبء الطلابي الحقيقي الذي يمكن لمثل هذه القدرات العلمية استيعابه، ولا عدد الساعات التي يمكن لهم أن يبذلوا فيها طاقتهم، وساعدهم في ذلك ميل كثير من هؤلاء المدرسين لقبول ذلك نظرا للعائد المادي المجزي الذي يترتب على ذلك؛ فليس معقولا أن يبقى عدد الطلاب المقبولين المعلن عنه في كليات الطب مثلا وهي الأكثر حضورا في التعليقات على نتائج الثانوية العامة هو نفسه عدد المقبولين قبل عشر أو خمس سنوات على أبعد تقدير، ينبغي زيادة الأعداد المقبولة في كليات الطب ليس لزيادة أعداد الطلاب ذوي المعدلات المرتفعة (100، و 99) فقط بل نظرا لحاجة الشعب الذي يزداد تعداه كل سنة إلى خريجين جدد من هذه الكليات، فالعيادات، والمستشفيات الحكومية فيها حاجة لضعف الأعداد الموجودة فعليا فيها، فضلا عن المستشفيات، والعيادات الخاصة في السوق المحلي في مختلف التخصصات الطبية، ولعل إيقاف البرنامج الموازي صار مطلبا وطنيا في هذا الوقت تحديدا؛ لأن البنية التحتية، والطاقة الاستيعابية في الجامعات تحتم هذا الإجراء الفوري من دون أن ننتظر حلولا غير موجودة ربما يزيد استحداثها من حدة المشكلة ويُفاقِمُها!!!
-
وأخيرا: هَبْ أن صاحب العلامة (100)، كان سيقصر في موضوع الإنشاء العربي، والإنجليزي، وبعض الأسئلة المقالية؛ أفلا يستحق أن نمنحه علامة أو علامتين، أو حتى خمس علامات تقديرا منا على اجتهاده، وتفوقه في المناهج الأخرى كلها، (فقليل من المنح)، مقابل (كثير من السعادة)، يمكن أن يكون حافزا لغيرهم في المستقبل كي يسعى للتفوق، والإبداع، ودمتم جميعا معطائين برضا، وسعادة!!!