نحو مجتمع مدرسي مثالي
عندما إنحسرت الأسرة الممتدة extended familyحيث كان أكثر من جيل يعيش في نفس البيت وللكبير فيه سلطة، وعندما دخلت الأنثى سوق العمل، و، في حالات كثيرة، عندما دخلت الخادمة بيوتنا كبيرة المساحة والمعقدة التفاصيل، وعندما إنحسرت الحارات وتجمّع الاطفال في علب مع تلفاز ولعب إلكترونية ، وعندما يقضي الطلاب معظم وقتهم وهم يتبادلون كل شيئ من خلال البلوتوث ويقضون ساعات طويلة على الارصفة أو أمام شاشات الإنترنت والفضائيات أو لعب كرة القدم، وعندما تراجع دور الأب كموجّه وصاحب سلطة، وعندما إزدادت الدروس الخصوصية لأكثر من سبب، وعندما تفنّن المسوّقون في عرض منتجاتهم، وعندما إزدادت السطحية والشكليات أو المظاهر في المجتمع وتراجع الحكم على الناس بما يملكون من خصال أصيلة، وعندما تصطاد الكفاءات التعليمية من قبل المدارس الخاصة ومدارس الدول المحيطة، وعندما (وبصراحة) لا تقوى الموازنة الحكومية على رفع الرواتب والمزايا للمعلمين، وعندما لا يبادر الأثرياء و بعض المغتربين بالمساهمة في الكلف التعليمية وقد نهلوا من بئر الوطن حتى درجة الإرتواء!، وعندما تضعف الرقابة والتفتيش من قبل أصحاب النفوس الضعيفة، وعندما تسير العملية كما في مرافق اخرى على طريقة (دبّـــر حالك)، يكتب مقالات قصيرة حول إيجاد حل سحري لقضية كبيرة 000.
الآن دعونا نطلّ من نافذة حب الوطن على واحد من أهم المشاهد وأكثرها حساسية ... وضع المعلمين و المعلمات وسلوك ابناءنا الطلبة 000 .
بادئ ذي بدئ يجب الإعتراف أولا وقبل كل شيئ بالضغوط الكثيرة التي يرزح تحتها المعلمون والإداريــون والطلبة على حد سواء .
فالمعلّم والإداري لا يعمل أي منهم وحتى الطالب نفسه ، في معظم الحالات، بمعزل عن ضغط المتطلبات المادية غير المحتمل ، ومعظمنا يعلم بأن هناك حالات كثيرة أماطت اللثام عن وضع مادي لبعض العاملين في سلك التعليم يندى لها الجبين. بعبارة أخرى البعض منهم لديهم اسر كبيرة العدد لا يتبقى لها كمصروف سوى ما دون 100 دينار لشهر بأكمله (بعد خصم إيجار السكن، ومصاريف الماء والكهرباء والمواصلات والهاتف والطاقة وقسط قرض صغير مأخوذ على أساس الجمعيات البينية لسداد كلف واجبات أو أمور لا داعي لذكرها هنا !) .
و الضغط المادي ينشأ عنه ضغط إجتماعي ومن ثم نفسي خطير وسلوك أخطر. أما في بيئة المدرسة نفسها، فهناك منغّصات على الجميع (طلاب ومعلمين وإداريين) . أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر: المعلم الذي يأتي الى ألمدرسة حاملا على كتفيه همومه المادية سالفة الذكر وعناء الوصول الى المدرسة وعناء مناكفة الزملاء والادارة والطلاب و ..... وبما أن الأمر كذلك، فإن كل ما سبق ذكره يمزج في سلوكه كعنصر كيميائي أساسي مكوّن له أثناء محاضراته، أي أن مخرجاته لا تكون كما خطط لها.
والداخل أثناء الدرس يصبح خارجا من او عن الطالب عند الامتحان ! 000 نحن دائما نقول :" إن مهمة المدرّس تتجاوز التلقين والتحفيظ للمعلومات الى التربية وتهذيب النفس وبناء شخصية الطالب المتكاملة". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل بإمكان المعلم تحقيق تلك المهمة على ضوء المعطيات السابقة؟ وعلى ضوء السلوك السلبي المكتسب من قبل الطالب من كافة المصادر (الصحبة ووسائل الاعلام سالفة الذكر و البيت؟)، وندرة الإكتساب الايجابي من البيت لإنشغال الوالدين كل في أمره!!!000
بعد تشخيص الوضع وإلتقاط صورة فورية له، علينا الآن كتابة الوصفة بكل ما أوتينا من حب لهذا الوطن الجميل و خبرة وأمانة علمية وعملية وإجتهاد لعل الجرح يبرأ ويتوقف النزيف:
نحن ومن على منبرنا هذا ، نرجو من معالي وزير التربية و التعليم ، ونحن في نفس الوقت نرفع أكفنا نحو خالق كل شيئ ضارعين لمعاليكم بطول العمر وأن يعينكم سبحانه وتعالى على مواصلة تأدية الأمانة بنفس الهمة والشفافية والنقاء والعطاء اللا محدود تحسين أوضاع العاملين في القطاع التعليمي وزيادة رواتبهم، وإذا لزم الامر يمكن فرض ضريبة تحت مسمى ضريبة المعلم من جميع الأردنيين في الداخل والخارج.
نحن وصلنا جميعنا الى ما وصلنا اليه من علم من خلال مدارسنا التي كلّفت وتكلّف الحكومات المتعاقبة مئات الملايين من الدنانير000 وفي الوقت نفسه نتمنى على وزارة التربية والتعليم وضع خطة إستراتيجية مهمتها "نحو مجتمع مدرسي أردني مثالي" وأهدافها الاتي:
- رفع رواتب العاملين في القطاع التعليمي بصورة ملموسة (بحد أدنى لا يقل عن 400 دينار).
- رفع درجة تأهيل المدرسين بعد إخضاعهم لإمتحان مستوى.
- تحسين البنية التحتية والفوقية لمدارس المملكة.
- إيجاد برامج مدرسية فعّالة تكون إرشادية علاجية ووقائية لمنع اللجوء الى الضرب أو التأنيب المباشر.
– الإبتعاد عن طرق تخويف الطلبة وتهديدهم.
– تحصين الطلبة من الكثير من السلوكيات والأفكار السلبية، وبإستخدام طرق الإقناع .
- غرس القيم المثلى والمبادئ الفاضلة وحب حفظ النظام والتركيز على مفاهيم الرقابة الذاتية في نفوس الطلبة وتعزيز ثقة الطالب بنفسه .
- بطريقة تربوية تعديل أو القضاء على عدد من السلوكيات السلبية ( الممارسات الخاطئة مثل عدم إحترام الهيئة التعليمية، التدخين، التسرّب من الحصص، الكتابة على الجدران، الفوضى التي يحدثها الطلاب بعد خروج المعلم من الفصل) .
– محاربة التقليد الأعمى للسلوك السلبي للزميل (تجدر الإشارة هنا الى أنه تكثر السلوكيات غير السليمة لدى الطلبة الذكور).
- زيادة التعاون مع دور الإعلام فيما يتعلق بالعملية التربوية في ظل المتغيّرات العالمية الحديثة ووسط غزارة/كثافة حجم المواد الإعلامية المرئية والإلكترونية التي ينفتح عليها مجتمع الطلبة سلبا .
- تصميم ووضع ملصقات تتضمن عبارات إفعل / لا تفعل - تشجيع المجتهدين من الطلبة على أفكارهم ،عطائهم وتفاعلهم وتعاونهم.
- العمل على التواصل بين البيت والمدرسة والإستفادة من طاقات الآباء والأمهات والمعلمين أي إيجاد التعاون بين البيت والمدرسة وخصوصا لأولئك الطلبة الذين لديهم صعوبات تعلّم أو لديهم مشكلة إجتماعية تحول دون سلامة التحصيل العلمي السليم .
- تشكيل أنشطة غير صفّية من قبل الطلاب مثل الأبحاث والندوات والمحاضرات وورش العمل والتي تساهم في تعديل السلوك بصورة غير مباشرة .
- تصميم أنشطة ترفيهية متدنية التكاليف.
- تخصيص درجات للسلوك يكون لها وزن مهم في تقييم التحصيل العلمي للطالب.