أولا.....الأردن





في فترة الزهو العربي حين ارتفعت راية الشريف الحسين بن علي تُعطر الفضاءات العربية بنداء الحرية ، معلنة الثورة العربية الكبرى ، كنا نهتف بأعلى صوتنا أنا عربي من مصر ، أو العراق ،أو سوريا ، وفي فترة الزهو الأردني هتفنا بحناجر صادقة أن أردني من الكرك ، أو إربد ، حينها كنا نشعر أن الوطن يُــمثل بيتنا الحقيقي الذي نتوحد تحت سقفه ، وفي الصورتين دلالة واضحة قوم...ية ، ووطنية ، فالأردن جزء من الوطن العربي الذي يُمثل عمقه القومي ، والكرك جزء من الأردن الذي يُمثل عمقه الوطني ، هكذا كنا نخرج إلى الساحات بعباءة عربية ، وعِــقال أردني ، وبعدها جاءتنا أيام عِــجاف مررنا خلالها بمرحلتين ، وأخاف أن نصل إلى الثالثة .
ما أن استقرت بنا الأيام حتى بدأ يخبو في داخلنا الصوت القومي ، والحس الوطني ، وبدأنا ننتسب إلى قرانا ومدننا ، وأصبحنا نقول بصوت أجش ، أنا كركي ، أو إربدي من الأردن ، وكأن الأردن جزء من مدينتا ، وتخيلنا بوهم مريض أن مدينتنا تضم الأردن الوطن ، وليس العكس ، وبالتالي أصبح هــمّ الوطن ، وأمنه ، واستقراره أقل أهمية من همّ قريتنا ، أو مدينتنا ، وأقولها صادقاً أن كل من عمل على هذه الطريقة ، وبهذه العقلية هو ظالم للوطن أشد الظلم ، ظلم يتوازى مع الخيانة .
لم نتوقف كثيراً في هذه المرحلة ، بل أخذتنا العزة بالإثم ، وانتقلنا إلى مرحلة أكثر بشاعة وغرابة ، وبدأنا نصغر ونصغر أكثر وأكثر بأن انتسبنا إلى عشيرتنا ، وعائلاتنا ، التي أصبحت عندنا أكبر من مدينتنا ، أو قرتنا ، وبالتالي أكبر من الوطن ، وأصبحنا نصيح ونتفاخر أنا من عشيرة الطواوويس والعقبان والعمالقه التي تقع الأردن وما فيها ضمن دائرتها ، واستمرينا بالتقزم ، وكل يوم نزداد تقزماً والوطن يكبر رغم ما نحن فيه من وهم ، فمتى نوقف هذا التقزم قبل أن نصل إلى المرحلة الثالثة التي نقول فيها أنا فلان ، أنا الأول ، وأنا الأكبر حتى من الوطن ذاته .
المعادلة بسيطة جداً ، وليست بحاجة إلى قوننة الدساتير ، ولا إلى دسترة القوانين ، باختصار شديد ، أنا أردني أعيش في حماه من مدينة إربد التي أسكنها ، ومن عشيرة الحساسين التي انتسب إليها واسمي فلان, هكذا أعود كبير بحجم الوطن ... لقد ابتعدنا عن الوطن حين انتفخت فينا الأنا وما عدنا أردنيين نحمل هم الوطن والمواطنين ، لم يعد واحدنا يحس إلا بهمه أولاً ، ثم هم عائلته ، وعشيرته حتى لو أصاب – لا سمح الله - الوطن الدمار .
لنعد أردنيين ، إذا تألم طفيلي صرخت أنا ، وإذا ضحك كركي زغردت أمي ، وإذا بكيت مسح دمعتي رمثاوي ، لنعد أردنيين كما ولدنا تحت راية الشريف الحسين بن علي بزهو عربي وأردني تظللنا العباءة الهاشمية في حمى الوطن ، وكفانا من اللعب في النار, فقد اصبح كل واحد يدير النار على قرصه ومن غير ان ينضج خبزنا حتى اصبح الوطن مهدد بالاحتراق .