نعم ستختفي الزغاريد
اخبار البلد-
لأكثر من نصف قرن كانت الثانوية العامة حدثا مصيريا تتوقف عنده المؤسسات والأسر والأفراد ويستقبله المجتمع بما يشبه المهرجان الاحتفالي العفوي، في حالات كثيرة كان الوصول إلى الثالث الثانوي أو قرار التقدم يدخل الطالب والأسرة والجيران وحتى المعارف والأقارب فيما يشبه حالة الطوارئ التي تمتد لآخر يوم في الامتحان وتتجدد مع قرب موعد ظهور النتائج.
في الأرياف والبادية والمخيمات وفي أحياء المدن يتهيأ الأهل إلى أنماط سلوكية وعادات جديدة تراعي حاجة الطالب إلى الهدوء والقراءة والابتعاد عن الضوضاء والصخب الذي يتولد من النشاطات والتفاعلات الاعتيادية. الامهات والاباء يراقبون احتياجات الأبناء للراحة والطعام والتذكير بجداول القراءة والمراجعة وأهمية التزام الاخوة والجيران بشروط ومستلزمات البيئة النظيفة الخالية من المنغصات والضوضاء.
الطقس الذي عشناه وعاشته الأفواج التي تتدافع وتتزايد عاماً بعد عام لا يزال موجوداً لكنه فقد الكثير من مظاهره ومعانيه. فمنذ ما يزيد على عقدين وطبيعة وشكل ومعنى ودلالات الثانوية العامة والامتحان والنجاح والرسوب والدورات التي ادخلت عليه في تغير لدرجة أصبح الامتحان والحدث لا يشبه كثيراً الامتحان الذي عرفناه وعرفته الأجيال التي سبقتنا وتلتنا.
القهوة السمراء التي تعدها امهات المتوقع نجاحهم لا تشبه قهوة امهاتنا كما أن النتائج التي يتحصل عليها الطلبة هذه الأيام لا تشبه بأي حال تلك التي كان يتحصل عليها من سبقنا وعاصرنا وتلانا من الأجيال بالأمس تهت كثيراً وأنا استمع لتصريحات التربوي القدير والوزير المخضرم معالي تيسير النعيمي وهو يدعو الجمهور الأردني والمعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي بأن لا يسرقوا فرحة الأهالي بالأبناء الذين تحصلوا على 100 ٪.
في محافظاتنا وألويتنا النائية التي كان الناس يندهشون لأيام عندما يتحصل عدد من الأبناء على معدلات تتجاوز الـ90 ٪ أصبح الطالب ينتحب لأيام ويفكر في إعادة الامتحان لأنه تحصل على 99 ٪ وهي لا تكفي لدخول كلية الطب التي قد لا تقبل من تقل علاماتهم عن 99.9 ٪.
النتائج التي أعلن عنها السبت الماضي لا تشبه اطلاقاً تلك التي أعلن عنها معالي وزير التربية السابق محمد الذنيبات قبل أربعة أعوام فهل تغير الطلبة أم تغير المنهاج أم تغيرت السياسة التعليمية في عمان والكرك وعجلون وسائر مدن الأردن لم يعد هناك معنى للنجاح ولا للحلوى والزغاريد وحتى كرنفالات السيارات المكشوفة التي يتجول فيها الأبناء الذين نجحوا معلنين أول مظاهر الحرية والاستعداد للاقبال على حياة جديدة تخف فيها الرقابة وتقل فيها الأوامر والضغوط والتهديدات الوالدية.
التوجيهي الذي أعلن عن نتائجه الوزير لا يشبه التوجيهي الذي عرفناه وأخافتنا مواجهته. لا أظن أن أحداً سيكترث اليوم للنتائج بعد أن تبخرت المعاني والطقوس والمعايير تحت وقع محاولات التحديث والتطوير. كل ما أتمناه أن يتوقف الذين كانوا يصحون مبكراً يوم إعلان النتائج ليطلقوا العيارات النارية للإعلان عن أنهم أصحاب سلطة وقادرون على الحصول على معرفة النتائج قبل الموعد أو للفت النظر إلى أن في بيوتهم ناجحا جديدا.
البهجة الخاصة التي كانت تغمر القرى والأرياف وتسعد بها الاسر وهي تراقب نشوة الأبناء الناجحين ومباركات الأحبة والجيران أصبحت بلا معنى فقد اجتاز أكثر من ألف طالب عتبة الـ99.9٪ وأغلقت الكثير من الخيارات التعليمية في وجه أبنائهم الذين بذلوا كل ما في وسعهم ليثبتوا أنهم على قدر المسؤولية.
صحيح أن هناك من يستحق أن يكون في أعلى سلم النتائج لكن سلم هذا العام يحوي درجة اضافية تجعل أن ليس بالامكان الاستمرار في صعوده.