الحكومة.. بين تعدد الجهات وتضارب الصلاحيات والأهداف
(1)
منذ وقت طویل وحكومتنا ومؤسساتھا المتعددة تعاني من مرض مزمن، فرضتھ البیروقراطیة الشدیدة من جھة وتعدد الجھات التي تقوم بنفس العمل والاختصاص من جھة أخرى، ولكن بأسالیب وأدوات وغایات مختلفة.
والذي زاد من حدة المشكلة تلك المبالغة في العقود الاخیرة، بإنشاء مؤسسات وھیئات وأحیاناً شركات ومفوضیات تقوم إیضاً بنفس العمل. وھو العمل الذي تطلع به وزارات الدولة المختلفة، تلك الوزارات التي اكتسبت خبرات واسعة ومتراكمة حتى أن بعضھا قد تم إنشاؤھا في مرحلة ما قبل الاستقلال.. وتقوم بعملھا على خیر وجه، ولم نكن نشكو كدولة ولعقود طویلة من ذلك المرض المتمثل بأزدواجیة الغایات والأھداف وتعدد الجھات التي تقوم بنفس العمل.
( 2 )
ما دفعني للكتابة في ھذا الأمر ما شاھدناه من حالات تسمم وفساد غذاء في الأیام القلیلة الماضیة، وذلك التداخل والتضارب والاتھامات المتبادلة بین ھیئات ومؤسسات ووزارات تقوم بنفس العمل، بصورة منفردة ینقصنا التنسیق فیما بینھا وروح العمل المشترك الجماعي، رغم أن الغایة واحدة وھي حمایة الناس والتأكد من أن المعنیین في ققطاعات الغذاء المختلفة یعملون وفق المعاییر الواردة في الأنظمة والقوانین المعمول بھا.
إن التداخل الكبیر في الصلاحیات وتعدد الجھات المسؤولة عن رقابة وسلامة الغذاء وملاءمته للاستھلاك البشري، أدى ذلك إلى ضیاع «الطاسة» فالتبس الأمر على المواطن والمسؤول سواء بسواء، مما دفع رئیس الوزراء إلى أن یشكل لجنة تقصي لمعرفة الجھة المسؤولة والمقصرة، وأن یعھد برئاستھا إلى وزیر من خارج الاختصاص، توخیاً للحیادیة والموضوعیة ذلك أنه لیس من المعقول أن تكون مھمة التیقن من سلامة الغذاء منوطة بأمانة العاصمة والبلدیات ومؤسسة الغذاء والدواء ووزارة الزراعة ووزارة الصناعة وربما غیرھا «لا نعلم».. وكل منھا لدیھا أجھزة فنیة ولدیھا مختبرات ولدیھا فرق متابعة في شتى مناطق المملكة ومع ذلك وبالرغم من كل ھذه الإمكانات والإنفاق المالي الكبیر، یقع المحظور! وفي كل فترة نصطدم بتسمم وبطعام فاسد غیر صالح للاستھلاك البشري.! ومع أن الأمر یتكرر فاننا نقابل ذلك في كل مرة ٍ بفزعة وبتبادل أتھامات وینتھي الأمر بتشكیل لجنة.. تُركن نتائجھا على ..الرف! ذلك أننا لا نشخص السبب الحقیقي وراء ذلك ولا نضع یدنا على الجرح فنطھره ونضمده.
(3)
أن ما ینسحب على الرقابة والمتابعة في قطاع الغذاء ینسحب أیضاً على كل القطاعات، فلدینا مؤسسات وشركات وھیئات ومفوضیات كلھا تعمل في إطار واحد في ذات الاختصاص. فالنتیجة، أن محصلة العمل تقترب من الصفر، نظراً للتضارب في الصلاحیة بین تلك الھیئات والمؤسسات التي تقوم بنفس العمل، ویكون منتجھا بیروقراطیاً بامتیاز، وھو ما یفسر تقییمنا بأننا دولة طاردة للاستثمار وقرارھا یُعاني من بطء وتأخیر.
علینا أن نعید كل ذلك الى أصل المشكلة وأن تكون جھة واحدة مسؤولة عن اختصاص واحد. وھذا یحتاج إلى قرار جريء لتوحید إمكانات الدولة في إطار الوزارات ودوائرھا كل حسب أختصاصھ. والانتھاء من ھذا التشتت والتشرذم .الذي یجعل الدولة تقع في حیرة أمام كل معضلة تواجھھا كما ھي قصة فساد الغذاء الأخیرة (4) وبعد.. علینا أن نحذوا حذو جلالة الملك حین أعاد توحید المؤسسات الأمنیة في ٍ نسق واحد، توخیاً لسلامة القرار ورشاقة الأداء في أطار وحدة الأھداف والغایات دعونا نغادر مربع البیروقراطیة ُ المقیت ونعید للحكومة وأجھزتھا .المختصة، سلامة الأداء ووحدة المعاییر والأھداف والله والوطن من وراء القصد.