رسائل صحيحة للعنوان الخطأ
أخبار البلد-
في الوقت الذي يتواصل فيه ذبح البنات بنفس الوتيرة النشطة، لترميم "الشرف الرفيع”، ثمة مشكلة كبيرة في أزمة حقوق المرأة. وثمة رسائل صحيحة تذهب للعنوان الخطأ.
أهمّها، وفي مقدمتها الشرائح المستهدفة، حين يجري الإعداد لمؤتمرات وندوات وورش عمل حول الجور الذي يقع على المرأة، بوصفها الجنس البشري المهدَّد بالانقراض جرّاء الصيد الجائر.. كما تحاول هذه المؤتمرات تصويرها!
فهذه الورش تُعدُّ لها، وتحاضر فيها، وتحضرها، نساء حصلن على كامل حريتهن وحقوقهن، وغير مُهدَّدات بالمرَّة، في حين لا تصل "الجدوى” أو حتى الميكروفونات الى نساء بعيدات ومنفيّات خارج المربع الأنثوي المعطر الذي يدير كل هذه القصص والحكايا.
ندوات مستمرة، ندوات طوال الوقت، حتى أنني قرأت مرة تقريراً عن ندوة بحثت "لماذا كانت المرأة الأردنية أكثر عرضة للتأثر بالتغير المناخي العالمي من الرجل”!
أقصد أن هناك إقحاماً مضحكاً لموضوع المرأة في أي شأن، استدراراً لتعاطف ما من جهات قادرة دائماً على فتح المراكز والفروع الإقليمية وتمويلها، ولا يهمّ في الحقيقة وجود جدوى على الأرض، بقدر ما هو المهمّ تسمين الملفات والرفوف التي تحتوي على دراسات واستطلاعات ونتائج وخلاصات وووو.. كلّها تحذر من هذا الظلم الذي يقع على المرأة ويحرمها من أبسط حقوقها!
لكن الظلم الفاقع الذي لا تنتبه له هذه المؤتمرات هو الذي يحدث داخل هذه المنظومة النسوية نفسها، والطبقية المروّعة التي تقسم النساء الى "نوعين اجتماعيين” هما نساء الندوات الجميلات والمعنيّات جداً بأوزانهن الرشيقة ومكياجهن ومراكز” السبا” الفاخرة في الأوتيلات التي تستضيف الندوات، والنوع الثاني هو النساء الفقيرات الكادحات اللواتي يمسحن الطاولة بعد الندوة ويحملن خمس حبات بيتيفور للأولاد في البيت.. الذين يتلقفون الحبّات الحلوة كاختراعٍ عجيب!
ولم تسمع المرأة العاملة وهي تعدّ الشاي والقهوة وتنقل العصائر الى القاعة وتمسح المقاعد، وتحمل ملفات وأوراق السيدة الأنيقة الى سيارتها، أن الندوة كانت تتحدث عنها، وعن حقوقها، وأن في هذه الملفات الثقيلة وعودا وكلاما كبيرا جداً عن المستقبل الزاهر الذي ينتظرها بعد "تحريرها”!!
وفي رأيي أن موضوع "حقوق المرأة” بات ممجوجاً، لجهة الزاوية التي يناقش منها، ولجهة الاستغلال المهين الذي تلحقه المرأة نفسها بهذا الملف، حين تجيّره لصالح توظيفات غير منطقية وغير مقنعة، وبرأيي أن هذه القضية العادلة يتولّاها محامٍ غير موضوعي، هو أول من يضعفها ويلحق بها هذه الخسارات المتتالية.
فهذا النَّفَس الاستعلائي والفوقي الذي تتحدث به هذه الندوات، هو في الحقيقة تجويف لقضية كانت عادلة قبل أن تتولاها جهات ونساء ومنظمات لم يصلن مرة الى بيوت نساء فقيرات ومضطهدات ومعزولات عن "نعيم المجتمع المدني”، ولا يعرفن بالضبط مشكلات المرأة، في مجتمعاتنا، ويستوردن "أوراق عمل” جاهزة، تتم ترجمتها الى العربية، لكنها لا تخصُّ أبداً المرأة العربية ومشكلاتها.
فضلاً عن النَّفَس التحريضي الدائم الذي تنتهجه هذه الندوات في عناوينها وخلاصاتها وتوصياتها كأنما تواجه إعصاراً عاتياً وخصماً لدوداً اسمه "الرجل”، وذلك أيضاً مردّه أن "المعنيّات” لا يفهمن تماماً مشكلات المجتمع الأردني، وأن المرأة البسيطة ليست في حرب مع الرجل، ولا تعنيها التقسيمات الجندرية، فهي معه تواجه الفقر والجوع والهوان وتراكم الثلوج على سطح البيت الضعيف.
من المعيب حقاً هذا الجهل المطبق بقضايا النساء من قبل منظمات نسوية، منظمات وجهات لا يعنيها انتهاء الحرب التاريخية بين الرجل والمرأة.. بقدر ما يعنيها استمرار وتأجيج الحرب لاستمرار تدفق التمويل!
ولعل الندوة المقبلة تناقش كيف تأثرت المرأة بانهيار أسعار النفط في حين شوهد الرجل اللعين يرقص ابتهاجاً أمام محطات البنزين!