مجموعة التأزيم .. تنضمّ للموالاة !

خلال العام 2011 ، وفي سياق الحراك الشعبي, لاحظ النشطاء تشكُّل مجموعة تأزيم في عمان, سعت دائما إلى خلق ظروف ومناخ للصدام مع القوى الأمنية, وتأجيج الوضع وإسالة الدم. ومن حسن الحظ أن مساعي هذه المجموعة جرى إحباطها بسبب عاملين أولهما يقظة النشطاء اليساريين والوطنيين والقوميين, وثانيهما اتجاه السياسة الأمنية على العموم - وليس دائما - إلى ممارسة ميدانية منضبطة.

في بعض الحلقات الأكثر توتّرا, كما في 15 تموز, كان قرار مجموعة التأزيم المذكورة هو الصدام بأي ثمن, وتقديم وجبة شهداء على مذبح الإنتقال بالأردن إلى المشهد السوري. لكن الله لطف بالبلد.

تكوّنت مجموعة التأزيم (التي روّجت لنهج مغامر, وزاودت على قوى الحراك بثورية مصطنعة) من (1) عناصر معروفة بارتباطاتها بقوى المحاصصة, (2) وعناصر هبطت على الحركة الشعبية بالباراشوت, ولم يكن لها سابق حضور في العمل الديموقراطي, ولكنها أخذت فجأة منحى ثورويا مقطوع الصلة بالتطورات الواقعية, (3) وعناصر مسيسة, واجتذبت إليها (4) مفردات عشائرية غير مدربة سياسيا ومنقطعة الصلة بواقعها الاجتماعي.

ولم تكن مجموعة التأزيم هذه لتلعب دورا في الأحداث, لولا الدعم السياسي الذي قدمته لها جماعة الإخوان وحلفاؤها. ولا نقول إن نهج هذه المجموعة كان خيار الجماعة, ولكنه, بلا ريب, أحد خياراتها.

على حوافّ محاولات التفجير الفاشلة, أشاعت مجموعة التأزيم تلك, خطابا غريبا على استراتيجيات المعارضة الأردنية, مشحونا بالأحقاد وانعدام روح المسؤولية الوطنية, وتجاهل المعادلات الحساسة في الأردن, وإطلاق شهوة الصدام والدم في بلد يقف فيه الخصوم السياسيون, عادة, على منسف واحد, يتبادلون الإكرام والتسامح.

الدكتور معروف البخيت كان العدوّ رقم واحد لمجموعة التأزيم. ومخاصمة رؤساء الوزارات شأن تقليدي في السياسة الأردنية, إلا أن تسعير العداء الشخصي الحقود ليس من قيم المعارضات الأردنية. واللافت أن تلك المجموعة ظلت تطلق نيرانها في كل الإتجاهات, فسلطت سهامها ضد مدير المخابرات السابق, محمد الرقاد, في الوقت نفسه الذي شنت فيه حملات على شخصيات معروفة من المعارضة الوطنية. وكأنها, بذلك, ارادت خلق فوضى تضرب كل العناصر السياسية في الدولة, فلا تبقى هنالك شرعية للحكم ولا للمعارضة.

لا أميل, عادة, للأخذ بالتفسير التآمري, لكنني لا استطيع مغالبة شعوري بأن وراء ذلك النهج خطة مصمّمة وكادرات مدربة. وهو التفسير الوحيد للخلطة الفوضوية من الممارسات والشعارات التي مارستها مجموعة التأزيم, ومنها شعارات الانتخابات على أساس الكثافة السكانية ومنح الجنسية لأبناء الأردنيات الخ جنبا إلى جنب مع شعارات الانقلاب الدستوري.

اليوم, بدأت عناصر مجموعة التأزيم نفسها, خطة معاكسة, فهي تبشّر برئيس الوزراء الجديد, عون الخصاونة, بوصفه مصلحا سوف تتحقق على يديه, مطالب الإصلاح السياسي, بينما معارضوه - حسب تلك العناصر- هم من قوى الشدّ العكسي. وبعد أشهر من لغة الدم, انتقلت مجموعة التأزيم, فجأة, إلى لغة التهدئة والوقار السياسي. وهو ما يثير الريبة ويطرح الأسئلة, خصوصا وأن نوايا الخصاونة المعلنة وتشكيلة حكومته, تدعوان للتشاؤم فيما يتصل بالإصلاح السياسي والاجتماعي معا.

الغموض يلفّ المشهد كله. وهنالك ما يدعو إلى القلق الشديد إزاء الالتزامات غير المعلنة التي قدمتها حكومة الخصاونة بحيث تنقلب مجموعة التأزيم الثوروية, بين عشية وضحاها, إلى سند شعبي للحكومة!

وسوى القلق, تبقى المرارة إزاء انعدام الحس بالمسؤولية نحو حياة الناس ومصالح البلد. فلولا رحمة الله ونباهة وشجاعة شباب الحراك الشعبي وحكمة المعالجة الأمنية, لكانت مجموعة التأزيم قد أودت بحياة العشرات, وربما المئات, وأوصلت الوطن إلى شفير هاوية الصدام الأهلي, تحت يافطة ثوروية تبين أنها زائفة ومضللة ومعادية للأردن وطنا وشعبا ودولة.

ynoon1@yahoo.com