صناعة الأقليات والمظلوميات
صناعة الأقليات والمظلوميات برزت في الآونة الأخيرة نقاشات وفعاليات وأحداث ظهر فيها مصطلح الأقليات بقوة، حيث بدأت هذه ( الأقليات) بالظهور أو بالأحرى بالتشكل بعد أحداث 11 سبتمبر والذي أدى بالنتيجة الى احتلال وأفغانستان ثم العراق وإسقاطه في المستنقع الأمريكي الإيراني المشترك ثم لبنان وتجميده في دائرة الصراع بين تيار (المقاومة) ومجموعة 14 آذار. حيث بدأنا نعرف فجأة بان هناك أقلية علوية في سوريا وأقلية شيعية في الخليج العربي وأقلية كردية في سوريا والعراق وتركيا وأقلية قبطية في مصر وأقلية افريقية في السودان وأقلية طوارق في دول المغرب العربي .. وأقلية زيديه في اليمن وأقلية أشورية في العراق وأقلية درزية في بلاد الشام.. وهكذا. ولو أردنا الاسترسال في تعداد الأقليات لما انتهينا من فرز المجموعات الأثنية أو الطائفية أو العرقية في الوطن العربي ولوصلنا الى الأقلية ذات العيون الخضر مثلا. ولكن من صنع مصطلح الأقلية وكيف أصبحت قضايا الأقليات تأخذ حيزا رئيسيا في صناعة الأحداث، فالأصل في الموضوع هو الانتماء للحدود الوطنية التي تجمع أبناء الوطن الواحد وبالتالي لا وجود لأقليات بل لجاليات أجنبية إذا لم تتعايش مع الوطن بحدوده الجغرافية وتنوع أثنيته وطوائفه وعروقه وكيانه الوطني، ولو أردنا صناعة التمترسات الشعبية لوصلنا الى تقسيم الوطن العربي الى أكثر من مليون أقلية. وهنا علينا التوقف والتساؤل عمن افرز نقاط الخلاف التي مترست مجموعات ذات معتقد واحد لتعيش داخل جسم سمته (أقلية) في كيان ذات هوية واحدة، فجموع الحكومات العربية تعامل أبناءه بانتمائهم الوطني لا بمعتقداته الداخلية (طالما بقيت داخلية لا تؤذي) مثل الخليج العربي الذي برز مفهوم الأقليات الشيعية التي بحثت عن نقاط الخلاف الداخلية في المعتقدات لتسلخ نفسها عن المجتمع وتتمرس خلف شكل (أقلية) فبعدت عن انتمائها الأصلي المفترض وأبعدت من حولها أسباب الالتحام مع الوطن. في حين استغلت مجموعة من أبناء الجبل الشمالي الغربي في سوريا وحدة معتقداتها (النصيرية) لتستخدمها لتشكيل حالة (فوبيا الأقليات وجنون الخوف من الآخر) وتستأثر على السلطة والشعب والبلد وتنسلخ تماما عن هموم الوطن وأسباب تقدمه وتلجأ الى صناعة الأقليات في سوريا من خلال الفرز والاستقطاب والاستبعاد والاستعباد لأبناء الأغلبية التي تمترست كضحايا بعد إخلائها من الأقليات بعد صناعة أسباب فرزها. وحين انفضت أسباب الاستخدام الطائفي للفرز وصناعة الأقليات في مناطق أخرى تم البحث عن أسباب أخرى كما يحدث الآن مثلا في الجزائر مع الأقلية الأمازيغية أو في موريتانيا، وكما يحدث أيضا في العراق مع الأقليات مثل الأشورية والكردية. أن صناعة أقلية في منطقة معينة تصنع أقلية بالتأكيد متلازمة معها في منطقة أخرى.. فحين برز تشكيل (الأقلية) الشيعية فجأة في لبنان في بداية السبعينات من القرن الماضي تشكل بقوة مصطلح (الأقلية) الدرزية وثم المارونية وتقسم البلد الى تمترسات طائفية مقننة. ولا بد أن يتحمل الوطن الأم بسلطاته الفعالة جزءا من مسئوليته عن انفصام مجموعة من المواطنين ليتحولوا الى (أقلية) تنادي بحقوق مميزة لأنها عن خرجت عن المجموع العام، فالأصل في الموضوع بتر أسباب انسلاخ أية مجموع عن المركب الوطني وإبعاد أصحاب المصالح والمطامع الخارجية التي تبرع في استخدام نقاط الالتقاء الثانوية بالأصل لجذب أحصنة طروادة لمشروعها التخريبي مثل إيران التي صنعت في الوطن العربي أكثر من ستة أقليات وأقنعتهم بأنهم هم الأغلبية ضمن دور مرسوم لها في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رسمته سوية مع الغرب لتقسيم الكعكة العربية بين (الفرس والرومان). بالنتيجة إن مصطلحات الأغلبية والأقلية هي مصطلحات مؤقتة قد تطلق على تشكيلات حدثية مؤقتة لتكوين رأي عام أو قرار وطني بالأغلبية تماشيا مع روح الديمقراطية والأخذ بالرأي الأرجح والقرار الأصوب.. ولكن لا يمكن القبول بوجود مجموعة تنبري بالتجمع تحت أي بند معلنة انسلاخها عن الوطن تحت بند طائفي أو أثني والمطالبة بمزايا مرتبطة بأسباب التمترس التي اختلفت عن مصالح المجموع العام، ف(الأقلية) يمكن القبول بها جالية أجنبية لا ترتبط بالوطن إلا مؤقتا لحين عودتها (لأغلبيتها).. في إيران مثلا. جرير خلف