الخصاونة بين التفاؤل والواقع
الخصاونة بين التفاؤل والواقع أحمد الربابعة ما أن أُعلن أو أُشيع (كون الإشاعة مصدر من مصادر رسم السياسة الأردنية) عن تكليف دولة القاضي الدولي عون الخصاونة رئيساً للحكومة، حتى استُقبلت هذه الحكومة شعبياً وحزبياً باستجابات التفاؤل والاحترام والترحيب، فهبّ عشرات الكتاب والحزبيين والسياسيين إلى الترحيب بدولة عون الخصاونة، والتهليل لها، وإبداء الكثير من التفاؤل والأمل بالرئيس الجديد وطاقمه، حتى من قبل المعارضة نفسها. وشعور التفاؤل والفرح هذا غير مستغرب، فهو أولاً صادر من شعب يوصف بالطيبة والمسكنة، ويفرح لمكرمة العشرة دنانير أو كرتونة الطرد التمويني، التي تحسب عليه على أنها هدية؛ فليس غريباً أن يفرح لتغيير وجه جديد لحكومته. وثانياً فهي قائمة على شخصية قاضي دولي كان يتوقع له تسلم رئاسة المحكمة الدولية في لاهاي، ولم يُذكر عنه ما يسيء، ويوصف بالنزاهة والاحترام. بالإضافة إلى اقتران تكليفه برئاسة الحكومة، بتعيين اللواء فيصل الشوبكي مديراً للمخابرات العامة، والاعتراف الضمني في رسالة الملك الموجهه له بضرورة عدم تدخل الأمني بالسياسة. وفي ضل هذا التفاؤل الكبير والارتياح الشعبي للحكومة الجديدة يبرز سؤال على المحك هنا، وهو مهم لتحديد موقفنا القادم، ولكي لا نتفاجيء بأداء الحكومة المؤملة، وهو: هل أن تفاؤلنا بحكومة الخصاونة في مكانه أم أنه غير ذلك ؟ في حقيقة الحال أن القاريء لحكومة الخصاونة المؤملة ومن زوايا عده، سيجد أن التفاؤل بهذه الحكومة في غير مكانه، أو في أحسن الحالات مبالغ به، حتى وان كان رئيسها يوصف بالاحترام والنزاهة، وذلك للحقائق والافتراضات التالية: أولاً: الطريقة التي تسلم بها الرئيس الجديد للحكومة، هي نفس الطريقة التي تسلم بها رؤوساء الحكومات السابقة، والتي يرفضها الشعب ويطالب بالغاءها، وترك اختيار رئيس الحكومة عائداَ للشعب، سواء من خلال البرلمان أو بانتخابه مباشره. وبالتالي فليس هناك تغيير في المطلب الأول للشعب. فيما يتعلق بالحكومة. ثانياً: أن حكومة الدكتور (عون الخصاونة) المؤملة وطاقمها، حتى وان كانت تمتدح؛ غير أنها في الحقيقة لم تخرج خارج سيناريو توريث المناصب وحصر السلطة في يد نفس الأشخاص ونفس مناطقهم؛ فرئيس الحكومة هو نفسه من تقلد عدة مناصب سابقة (رئاسة الديوان الملكي، ومستشار للملك، ودبلوماسي في الخارجية) بل أيضا هو ابن (لواء بني عبيد) في اربد، والذي يختار منه مسؤولي اربد الكبار بالعادة. أما طاقم وزارته؛ فثلاثة عشر وزير منهم هم وزراء سابقون، وبقيتهم وجميعهم كذلك، ممن تسلموا مناصب سابقه اخرى (مدنية أو عسكرية)، أو تسلمها أبائهم واجداهم، بالإضافة إلى الإبقاء على نفس العائلات والعشائر المعتمدة المعتادة في محاصصتها وحصولها على مناصب الدولة. ثالثاً: حسب تحليل صحيفة القدس العربي اللندنية، فان وزراء حكومة الخصاونة تم اختيارهم على أساس عشائري وجغرافي يؤمل منه إخماد الحراك العشائري المتصاعد حالياً في المحافظات وبين أبناء العشائر الأردنية. وبالتالي فان أولوية هذه الحكومة والشخصيات التي تم اختيارها، هو محاولة احتواء مطالبات الإصلاح وليس الإصلاح ذاته. رابعاً: ما يؤمل من هذه الحكومة هو تنفيذ المطالبات الجوهرية والأساسية التي يرى الشعب أنها جل عملية الإصلاح، مثل محاسبة الفاسدين وإيقاف الفساد، وتعديل الدستور، وقانون انتخاب نزيه وعصري، وقضاء كفؤ وعادل، وغيرها من مطالبات الشعب، والأسئلة التي تبرز هنا: _ هل ستستطيع حكومة الخصاونة تحقيق نصف هذه المطالبات، ولن نقول كلها ؟ _ وهل سيستطيع القاضي الدولي الإحالة للقضاء، لشخصيات ورموز متهمه شعبيا مثل باسم عوض الله ومحمد الذهبي ؟ _ وهل سيكون بمقدور المُشرع القانوني العالمي تعديل الدستور الأردني كما يجب أن يكون بعد عدة أشهر؟ _ وهل ستتوقف أعمال البلطجة ضد المطالبين بالإصلاح والشخصيات الوطنية ؟ _ وهل سيستطيع القانوني الكبير معالجة مشكلة ضعف وترهل السلطة القضائية في الأردن، بدل اتكالها على العشائرية في فض منازعات خصومها ؟ خامساً: الحراك الشعبي القائم والمتصاعد منذ فتره، هو أساساً غير موجه للحكومة أو الحكومات، وإنما يرفع شعار إصلاح النظام، وإجراء تعديلات جذرية في بنية الحكم، وما شهدته الجمعة الأخيرة من حراك شعبي على غير المتوقع عم مناطق الأردن، وإعادة ترديد الشعارات عالية السقف والمتجاوزة للخطوط الحمراء، وأيضاً تهديد حراكات شعبية، بحشد (مليونية) من المحافظات للعاصمة، ورفع حراكات اخرى لشعار: "لم تفهمونا"، وكل ذلك طبعاً بعد تكليف الخصاونة لرئاسة الحكومة؛ يدلل على أن قضية الشعب ليست مع الحكومات، وكذلك فإن الحل المطلوب والواجب، لا يكمن في تغيير الحكومات والوجوه، وإنما في إصلاح بنية الحكم. سادساً: وصم كثيرون، حكومة الخصاونة بـ (حكومة الفرصة الأخيرة)، مثلما أعلنت حراكات شعبية وحزبية تعليق حراكها لمدة شهرين من أجل إعطاء فرصة للحكومة الجديدة في تحقيق الإصلاح المنشود. والسؤال هنا: ماذا لو أننا أتممنا الشهرين، وكان ما حققته الحكومة الجديدة هو نفس ما حققتها الحكومات السابقة، أو أزيد بقليل، دون الوصول إلى ما هو مطلوب منها ؟ سابعاً: بالإضافة إلى النقاط السابقة والتي تعتبر ثغرات وعقبات كبيرة تواجه حكومة الخصاونة، فانه حكومة الخصاونة بـرغم (كاريزميتها) تعرضت لضربة كبيرة، عندما رفضت أحزاب المعارضة، سواء الإخوان المسلمين، أو الجبهة الوطنية، أو شخصيات مستقلة معارضة، أو غيرهما، الدخول في الحكومة، ويقال أن دولة عون الخصاونة استاء من عدم مشاركة المعارضة في حكومته، وبالتالي اللجوء إلى تكرار نفس البروتوكول المعتمد في التوزير، وتسليم نفس الشخصيات أو ما يشبهها، والتي ينتقد الشعب أدائها. وإذا أصابت التوقعات، التي ترى أن حكومة الخصاونة لن تستمر أكثر من حكومة (البخيت)، فستكون النتيجة محرجة، خصوصا أن شخصية بمواصفات قاضي دولي وذو سمعه حميدة، قد لا تقبل أن يساء لها وتتهم من الشعب، كما حدث مع الحكومات السابقة، وفي هذه الحالة ربما يكون دولة عون الخصاونة هو المبادر بتقديم استقالته وليس العكس. بالتأكيد أن الإجابات (قولا وفعلاً) على الأسئلة السابقة أو ما يشبهها تحمل حساسية وحرج كبير، وطرحها هو ليس من باب استبدال التفاؤل بالتشاؤم، بل الدعوة إلى الأمل الواقعي بالحكومة الجديدة بناءا على الإمكانات الموفره لها والواقع الذي يحيط بها، وعدم المبالغة في التفاؤل، هو من أجل عدم الإحباط إذا لم يتم تحقيق المرجو، والذي يبدو صعباً وقاسياً. Ahmad.ALrababah@kermalkom.com