أفضل أيام الدنيا { العشر من ذي الحجة }

بسم الله الرحمن الرحيم أفضل أيام الدنيا { العشر من ذي الحجة } الكاتب : منتصر بركات الزعبي

Montaser1956@hotmail.com

إنَّ من رحمة الله – عز وجل – أن جعل لعباده المؤمنين مواسم للخير , يكثُرُ أجرها , ويعظُمُ فضلها , حتى تتحفزَ الهممُ للعمل فيها , فتنالَ رضا الله وفضلَه . وسنعيشُ عمَّا قريب , آخرَ موسمٍ من مواسمِ الآخرة في هذا العام الهجريِّ– موسمُ تجارةٍ مع الله – تجارة تنجينا من عذاب أليم , تجارة لن تبور بإذن الله , سنعيش أيامًا مباركةً , أقسمَ الله سبحانه وتعالى بها , تعظيمًا لها وتشريفا , فقال : ( والفََجْرِ وَلََيالٍ عَشْر ) وسمَّاها الأيام المعلومات ,قال الله تعالى : ( ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُروا اسمَ اللهِ في أيامٍ معلوماتٍ ) الحج 28. فهي أفضلُ أيامِ اللهِ كما أخبر الصادق الأمين الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – ( أفضلُ أيامِ الدٌنيا أيامَ العشْرِ - أي من ذي الحجة - ) الشهر الأخير من هذا العام الهجري , والذي عمَّا قريب ستطوى صحائفه , وتغلق خزائنه , على ما عملنا من خير أو شر , فاختم عامك أخي وأختي في الله بالخير , فإن العبرة بالخواتيم , فهي نعمة أنعمها الله عليك قد لا ندرك مثلها مرة ثانية , فالأعمار بيد الله وحده , فالعاقل من ينتهز الفرصة والمحروم من ضيعها . وقد اكتسبت هذا التكريم لِما جمعه الله فيها من يوم التروية - يوم 8 ذي الحجة وفية يتوجه الحجاج إلى ( منى ) في طريقهم إلى عرفات وهم محرمين وملبين ومكبرين - , ويوم النحر , ويوم عرفة - وهو يوم الحج الأكبر - الذي هو ركن من أركان الإسلام , وشعيرة عظيمة من شعائره , وهو يوم النحر . لقد وضع الله سبحانه وتعالى في نفوس المؤمنين , حنينا إلى زيارة بيت الحرام , وليس كل واحد منا , قادرًا على زيارته خاصة في أيامنا هذه , بسبب القيود الصعبة على من أراد الحج . فلهذا جعل الله هذه الأيام مشتركا بين من وفَّقه الله لزيارة بيته , وبين من عجز عن الحج , فمن لم يقدر على الحج قدر على العمل بطاعة الله - عز وجل – وهو في بيته عملا يفضُل الجهاد في سبيل الله . لقد ساروا وقعدنا , وقَرُبُوا وبعدنا , فإن كان لنا معهم نصيب سعدنا . فالقاعد لعذرٍ شريكٌ للسائر , وربما سبق السائرُ بقلبه السائرين بأبدانهم . ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ) . فيا جماعة المسلمين و يا أتباع الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – , ها نحن وكما هو معلوم لنا جميعا أننا على أبواب العشر الأوائل من ذي الحجة , الذي جمع الله فيها ـ أهم أعمال الحج وأيامه وهي : يوم التروية , ويوم عرفة , ويوم النحر . لهذا فقد رأيت في هذه المناسبة العطرة , أن أذكَّركم ونفسي , ببعض الأحاديث التي يرغِّبنا فيها الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – في التقرب إلى الله – تبارك وتعالى – بصالح الأعمال , التي هي السبيل إلى الله أن يرضى الله عنا , ويدخلَنا جنته مع الأبرار , الذين هم أهل رحمته وأهل مغفرته . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وََلا الْجِهَادُ، قَالَ: وََلا الْجِهَادُ، إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. [ صحيح البخاري[ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما مِنْ أيامٍ أعظَمُ عندَ اللهِ وَلا أحبُ إليهِ العَمَلُ فيهنَّ مِنْ هذهِ الأيامِ العشْرِ فأكثروا فيهنَّ مِنَ التهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ " . أخرجه احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر . ولهذا كان السلف الصالح – رضوان الله عليهم – من أحرص الناس على انتهاز الفرص , واغتنام مواسم الخير , التي من أهمها ومن أعظمها أيام العشر الأولى من ذي الحجة , ذلك لأنَّ الثواب فيها سيكون – إن شاءَ اللهٌ – إلى سبع مئة ضعف , والله يضاعف لمن يشاء . كان سعيد بن جبير - رحمه الله – إ ذا دخل أيام العشر من ذي الحجة , اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يكاد يقدر عليه . وإنَّ من الأعمال الفاضلة , التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة : 1- أداء الحج والعمرة : إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرم ، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحجُ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلا الجنةَ ). 2- الذكر : فيُسَنُّ التكبير , والتحميد , والتهليل , والتسبيح , أيام العشر والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى . ويجهر به الرجال , وتخفيه المرأة قال الله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) الحج : 28 والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر , لِما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات : أيام العشر ) ، وصفة التكبير : الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، وهناك صفات أخرى . والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة , ولا سيما في أول العشر , فلا تكاد تسمعه من أحد ، فينبغي الجهر به , إحياءً للسنة وتذكيراً للغافلين ، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما , كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، والمراد أنَّ الناس يتذكرون التكبير , فيكبِّر كلُ واحد بمفرده , وليس المراد التكبيرَ الجماعيَّ بصوت واحد . إنَّ إحياء ما اندثر من السنن , أو كاد , فيه ثواب عظيم دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحيا سنةً من سنتي قد أُميتت بعدي , فإنَّ له من الأجر مثل مَنْ عمل بها من غير أنْ يُنقصَ من أجورهم شيئاً ) أخرجه الترمذي 7/443 وهو حديث حسن لشواهده . فيا جماعة المسلمين , ويا أتباع الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – اعلموا أن الذِّكر من أعظم القربات إلى الله , وهو رأس الأعمال الصالحة , ورد أن رجلا من أصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال ذات مرة : يا رسول الله , إنَّ شرائع الله قد كثُرت عليّ , فأخبرني بشيء أتشبث به , فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزالُ فوكَ رطبٌ بذكر الله ) , وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيها الناس ارتعوا في رياض الجنة ) قلنا يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : ( مجالسُ الذكر ) ثم قال : ( اغدوا وروحوا واذكروا فمن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة لله تعالى عنده فإن الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه ) . يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتبته هرولة ) والاستغفار من الذكر , بل ومن أعظم الذكر , وانظروا ماذا يقوله الحق - جلَّ جلاله - على لسان سيدنا نوح - عليه السلام - ؟ : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِين َ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) جاء رجل إلى الحسن البصري – رحمه الله - فقال له : إن السماء لم تمطر , فقال له الحسن: استغفر الله ثم جاءه آخر فقال له: أشكوا الفقر!! فقال له : استغفر الله , ثم جاءه ثالث فقال له: امرأتي عاقر لا تلد!! فقال له : استغفر الله , ثم جاءه بعد ذلك من قال له : أجدبت الأرض , فلم تُنْبِت !! فقال له :استغفر الله فقال الحاضرون للحسن البصري : عجبنا لك أو كلما جاءك شاكٍ قلتَ له استغفر الله ؟ فقال لهم: أو ما قرأتم قوله تعالى) : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ( نوح:10-12 3- الصيام : فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : " قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري . وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة . فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أول اثنين من الشهر وخميسين " أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462 4- الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا : لأنَّ العملَ الصالح محبوبٌ إلى الله تعالى , وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى . فمن لم يُمْكِنُهُ الحجّ فعليه أن يَعْمُرَ هذه الأوقات الفاضلة , بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة . عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري . فليحرصْ المسلم على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء ، وليقدم لنفسه عملا صالحاً يجد ثوابه أحوج ما يكون إليه : إن الثوابَ قليلٌ ، والرحيلَ قريبٌ ، والطريقَ مَخْوِفٌ ، والاغترارَ غالبٌ ، والخطرَ عظيمٌ ، والله تعالى بالمرصاد , وإليه المرجع والمآب , ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) .