القذاذفة الجدد وتطبيق شعار إكرام الميت عرضه وليس دفنه

الربيع العربي والتغني به لا يعني تبدل الأدوار، ولا يقبل نظرية استبداد الشخص الواحد، لشعب يبلغ عدده الملايين، بل هو عبارة عن نظام مشكل من قائد أو رئيس وأسفله الآلاف من الذين كان يؤدون دور القمع والفساد مستفيدين، من طغيان هذا الزعيم، وخلع النظام اشد صعوبة من إقالة زعيم، فالفلول تستطيع التغيير والتشكل، بل والاستفادة من الديمقراطية الجديدة التي قد تمكنهم من العودة بمشاكل جديدة عبر الأصوات وليس عبر التعيين كما في الأنظمة القمعية.

 

نقدر تلقائيا أن الثورات بطبيعتها التاريخية لا تتعامل مع الرحمة والمشاعر الرقيقة، فمنطق ظهورها، تحدي الظلم ، واجتثاثه، وما يحصل في مراحلها الأولى من قمع وسعي إلى وأدها يزيد من حقدها، خصوصا إن جاءت بعد كبت استمر لعقود، لذا عندما تصل إلى النصر تكون مفعمة في الانتقام، لتفريغ شحنات الغضب والإرهاق وللشعور بنشوة النصر، ولكن نقطة الثورة السوداء دوما عندما يكون نصرها وما يتبعه من أعمال بدابة لانطلاق ثورة مضادة، وخير مثال الحالة العراقية.

المشهد الذي احتفى به الثوار الليبيين، بجر معمر القذافي إلى سيارة بكب أب كان طبيعيا، بان يضرب الرجل- الطاغية وسافك دماء شعبه-  أو يطعن في مؤخرته، أو حتى   تلقيه، لصفعات، ولكمات، وشتائم وإعلاء كلمة مصراطة تلك المدينة التي واجهت الويل من القذافي أثناء حصار كتائبه لها، وما رافق ذلك من تهليل وتكبر، ففرحتهم كانت هستيرية، بان يقبض بعض الثوار على الأسطورة معمر القذافي الذين لم يكونوا يحلمون يوما بمقابلته، فكيف بان يكون ضعيفا، اسيرا، يرجوهم الرحمة ، في مفارقة غريبة بان يلتقط من أنبوب لمياه الصرف الصحي ، التي لا يعيش بها في العادة سوى الجرذان، وذلك الوصف الذي كان يكثر القذافي ومن ثم ابنه سيف الإسلام وصف الثوار به

إذا مشهد طبيعي لثوار رأوا الويلات لأربعين عاما ، ومن ثم لثمانية أشهر على يد القذافي وأعوانه، وتم إعدام القذافي   بأوامر من جهات عليا لقيادات الثوار، فالرجل كان له آلاف الأسرار التي لا يعرفها غيره، وسعى كثيرا لاسترضاء الغرب، عبر وسائل عديدة أهمها مال الشعب الليبي ومن مصلحة رؤساء دول الناتوا ان يقتل الرجل وتقتل الأسرار معه، وفي نفس المشهد الصاخب، كنا نقدر أن يقتل احد الشباب القذافي طمعا في جائزة مليوني دولار أو خوفا من محاكمة تمد عمره..

ولكن أن تضع جثة القذافي مثل فرعون ، في مصراطة، فهذا لا يجوز أخلاقيا ، في دولة أعلن ثوارها بان الإسلام دين ونظام الدولة حسب رواية رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل، وما حدث لا يمكن صلته ببداية دولة أو مجلس انتقالي إسلامي سوى إذا كان هدفهم إسلام طالبان وليس إسلام سيدنا محمد الذي قال عندما فتح مكة اذهبوا فانتم الطلقاء، مع أن قريش وسكان مكة قد أذاقوا الصحابة الويلات والعذاب أثناء الدعوة التي سبقت الهجرة أو في معركة بدر ، وأحد التي شوهت بها  جثة عم الرسول سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب. ولن ننسى حديث الرسول إكرام الميت دفنه، فكيف حرف المجلس الانتقالي المعنى السامي للإسلام وكأن شعارهم إكرام الميت عرضه ...!!

أنا شخصيا لا أجد في القذافي سوى ظاهرة صوتية ، تعيش في أحلام القائد الرمز وبطولات دنكوشوتية وابتلاء من الله لشعب ليبيا، ورجل سرق أموال الشعب ومن ثم راح ينقط عليهم من خيرهم، ولا اشعر نحوه سوى بمتعة حقيقة لظاهرة فكاهية غريبة، مع بعض الجمل الجيدة التي قد تخرج، منه ولم اشعر يوما بأحلام الجنون التي تراود من يسعى لإقناعنا بأنه بطل حتى ولو من ورق، ولكن هذا المجنون بإجرامه وكتائبه سفاحة الدم، لا تواجه بنفس التصرفات من قبل ثوار يريدون رفع أعلام الحرية.

طريقة عرض القذافي بهذا الشكل جعلت منه محط تعاطف أعطت للثوار سمة الهمجية والثار، وقد تصنع ثأرا قبائليا من عشيرة القذافي ومحبيه، فيما يؤخذ أيضا ملاحقة الثوار لأشخاص سياسيين وليسوا متهمين بمجازر أو جرائم وخير نماذجهم الشيخ المهرج خالد تنتوش .

ما لا نريده ردة الثورة ، ومع ثقتي وإعجابي الكبير وتقديري لثوار ليبيا الذين صنعوا حريتهم بدمائهم أتمنى أن يعيدوا صناعة القذافي مرة أخرى ونتخلص من مجرم لنجد مجرمين ...

 omar_shaheen78@yahoo.com