حكومة الخصاونه: تفاؤل وعقبات

حكومة الخصاونه: تفاؤل وعقبات د. كامل الزبون لقد تعلمنا في الاردن ان لا نفرح كثيرا لان الفرح لن يطول وتعلمنا ان لا نصفق كثيرا لأننا سنفقد السبب الذي صفقنا لأجله ، وتعلمنا ان لا نتفاءل كثيرا لأننا تعلمنا الاحباط وتعلمنا ان نستبشر برئيس الوزراء القادم وطاقمه الوزاري لما يملكه من صفات فريدة : رئيس نظيف، لديه توجهات وطنية، برنامج طموح، كفاءات عالية، يؤمن بالحوار وغيرها من الصفات التي تتبرع جهات كثيرة بتزيينها على الوجه الجديد. ولكننا نتفاجأ بعد برهة قصيرة بأن الرئيس كسابقه في التوزيع والاعطيات والمنح والمحاصصة وان الوزراء كمن سبقهم في التجارة والسفر والفساد واكل السحت والتفنن في طرح العطاءات واحالتها وتوزيع المنافع واكرام ذوي القربى. هذا ما اعتدنا عليه من زمن وكأن العيب ليس في الاشخاص بل العيب في المناصب والرتب وكأن خشب الكراسي الاردنية بها داء الفساد ينتقل من الخشب الى المسؤول النزيه العفيف الشريف بسرعة مدهشة ولدرجة اننا نتمنى استيراد كراسي جديدة من دول تعافت من سوسة النهب والسلب علها لا تسبب مرضا للمسؤولين في هذا البلد. لا يمكن ان نحكم سلفا على ما سيكون عليه اداء الحكومة ولا يمكننا ان نظن الا الخير بالجميع ولكن هل الظروف التي جاءت في ظلها الحكومة هي ظروف تساعد على العمل والنجاح. لقد جاءت هذه الحكومة في اصعب الظروف التي يمكن ان تأتي بها حكومة وتواجه تحديات كبيرة وخطيرة والتغلب عليها يتطلب معجزة تصنعها الحكومة وتظللها الجماهير ويدعمها الملك وتحميها الافعال لا الاقوال. اول التحديات التي تواجهها الحكومة هي مشكلة فقدان هيبة الدولة الاردنية فما من شك ان هنالك تجاوزات خطيرة حدثت في الاشهر الماضية وصلت التي التجاوز على الدولة بكل مفاصلها ووصل الامر الى المطالبة بتغيير الدستور والمطالبة بالدستورية، وكذلك التطاول على الافراد والاجهزة الامنية. قد يقول البعض ان سلوك مسؤولي الدولة هو الذي جلب هذا الانتقاد وان كان ذلك صحيحا فأن التعرض لعصمة بعض الافراد يعتبر شيئا جديدا على الثقافة السياسية في المجتمع الاردني. التحدي الثاني: فقدان بوصلة التغيير والاصلاح: حيث ان مطالب الجماهير في التغيير والاصلاح بدأت بمكافحة البطالة وخلق فرص عمل ثم مكافحة الفساد ثم محاكمة الفاسدين، ثم اصلاح الاجهزة الامنية ، ثم الملكية الدستورية واكثر من ذلك. كل هذه الوتيرة في ارتفاع سقف المطالب سيجعل الرئيس غير قادر على ارضاء الشارع لان عجلة المطالب ديناميكية ومتسارعة وما يقبل اليوم لا يقبل غدا وفي نفس الوقت لا يستطيع الرئيس ادارة ظهره للشارع والا اطبق عليه المثل "عدك ي ابو زيد ما غزيت" . التحدي الثالث: هو فقدان الثقة بمجلس النواب: ان من قدر الرئيس ان يتعامل مع مجلس لا يحظى بثقة الشارع بل ربما لا يمثله وفي هذه الحالة فأن ارضاء المجلس لا يعني ارضاء الجماهير وبالمقابل فأن قطيعة النواب يعني الاستعداد لهزات متلاحقة وهو ما لا يحتمله ولا يحتمله الشارع المتوتر اصلا. التحدي الرابع: مكافحة الفساد: ولا ادري كيف يمكن له تحقيق هذا المطلب الكبير في ظل حمايات كثيرة للفساد والمفسدين من قبل مراكز القوى واللوبي المنتفع والشريك من وجود الفساد. سيقع الرئيس تحت ضغط جماهيري هائل في هذا المجال وفي نفس الوقت سيجد الابواب مغلقة ينعم خلفها المفسدون دون ان يستطيع احد ان يزعج سلطانهم وجنانهم. هل يمكن له ان يعيد فتح ملفات البوتاس والاسمنت والملح والسكن الكريم والسفارات والاعلاف والمواشي والمنح والمشاريع والقروض وشكاوي المستثمرين والتعيينات ورواتب علية القوم والمناطق التنموية الفارغة والعقبة الاقتصادية والديوان الملكي .... وغيرها من الامثلة التي لا تحصى ولا تعد وربما عدد قضايا الفساد تتجاوز عدد سكان الاردن. التحدي الخامس: الوضع الاقتصادي: فماذا سيفعل الرئيس بالمديونية التي ترتفع بشكل يومي حتى نسي الناس اخر ارقامها ؟ وماذا يمكن ان يعمل لمكافحة البطالة في بلد يدفع اكثر من نصف الموازنة كرواتب ؟ وكيف يمكن استقطاب استثمارات ونحن من قام بتهجير الصناعات والمستثمرين؟ وكيف يصنع تنمية ومؤسسة المناطق التنموية سلبت منذ اليوم الاول من خلال الرواتب الفلكية؟ التحدي السادس: ارث الحكومة السابقة بما خلفته من عقبات امام الحكومة الحالية وكأنها تعمدت وضع العراقيل امام القادم حتى لا يتم مقارنة الانجاز بين الحكومتين. الارث ثقيل بملفاته المتعددة والمختلفة ومنها على سبيل المثال قضية المصفاة والقناة التلفزيونية، وهيكلة الرواتب والاضرابات المطالبة بالتعديل وقانون مكافحة الفساد والانتخابات واستحداث البلديات وقضايا الفساد المنظورة والمحالة الى المدعي العام وتعيينات اللحظة الأخيرة وغيرها ممن يصعب التعامل معه الا بالجراحة التي تفقد الشعبية. التحدي السابع: الطاقم الوزاري: ان صدقت الصحف بما قالت فان الوزراء فرضوا على دولته من خلال كوتات لمراكز القوى وحتى ان الرئيس لم يطلع على السيرة الذاتية لأي منهم (حسب ادعاء الصحف) وان بعضهم لديه قضايا فساد مالي ومنظور لدى مكافحة الفساد والمحاكم النظامية بالإضافة لعلاقات النسب والمصاهرة والقربى والوراثة. ان ذلك يعني احد امرين اما ان الرئيس لم يملك قرار الاختيار وتلك مصيبة ان يفقد القرار قبل اداء القسم او ان الرئيس كغيره من الرؤساء يخضع للضغوط ولهوى النفس وذلك يعني اننا بدلنا وجوها ولم نبدل التوجهات. اننا لا نشك بنزاهة الرئيس ولا بكفاءته ولا بتوجهه الوطني وفي اسوأ الحوال ستكون حكومته افضل بكثير من سابقتها من ناحية الاداء والمصداقية و نأمل ان يحصل انفراج على يديه ولكن في ظل هذا الكم من العقبات فأننا نخشى عليه ان يجد نفسه في منتصف الطريق فلا يستطيع العودة الى المثالية ولا هو بقادر على التضحية بالمبادئ . ان الخوف من الفشل او عدم الثقة بإمكانية التغيير هو الذي حدى بالجماعة الاسلامية بالاعتذار عن المشاركة حيث ان من الاسلم في مثل هذه الظروف عدم تحمل مسؤولية تحتمل الفشل مما يفقد الجماعة دعم الشارع خاصة ونحن على ابواب انتخابات بلدية ونيابية والافضل البقاء في صفوف المعارضة التي لن تعجز في ان تجد اخفاقات للحكومة تبرر عدم مشاركتهم بها. خاتمة القول ربما يكون الرئيس هو اختبار كبير لقدرة التغيير الوزاري على تغيير اداء الحكومات وتغيير نظرة الشعب الى الحكومات وهو ايضا ورقة تحدي لإنجاز الاصلاح المنشود وقد يكون الورقة الاخيرة التي يمكن ان تساعدنا في اجتياز المرحلة الصعبة في ظل تغييرات المنطقة وفي حالة فشله (لا سمح الله) سنشعر بفقدان الامل بالتغيير المنشود وسيطبق علينا خيبة في التطلع لما هو ات.