ما يجعل مكتبة درب المعرفة نموذجًا، وما يجعل الوقوف في ظلال تجربتها عنوانًا لنجاح في المساهمة في تنشئة جيل واع لذاته، أنّها عكست الروح الكامنة في اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي أقرت بحق الطفل في التمتع بالحق في الثقافة والوصول إلى المعلومات بما في ذلك انتاج كتب الأطفال ونشرها وأن تهُيأ له البيئة والمناخ الموائمان ليتمكن من تكوين آرائه الخاصة، بوصفه كيانًا إنسانيًا متكاملًا. هذه المكتبة شكلت بذرة صالحة لممارسة هذه الحقوق ضمن توليفة كبيرة من كتب الأطفال اكتنزت بها أروقتها، كتبٌ تم انتقاؤها بعناية وحب وإيمان بالفكرة، وبتنوع ملفت وبعطاء يليق بأطفال وطننا.
ما يقتضي الوقوف عنده مطولًا أيضًا هو خروج مكتبة درب المعرفة من دائرة الدور التقليدي لمكتبات الأطفال المتمثلة في إعارة الكتب وارجاعها، لتصنع عالمًا للأطفال قوامه بناء الشخصية الإنسانية وتنمية قدرات الأطفال ومواهبهم وتنمية احترام حقوق الإنسان وكرامته وإعداد اطفال يستشعرون المسؤولية، يؤمنون بقيم التسامح والتعددية وقبول الآخر، من خلال أنشطة تحمل قيمًا ومفاهيم إنسانية عميقة، تعلي من أهمية العلم والعلوم، وتعمل على زيادة انتماء الأطفال لأرضهم وعالمهم.
إنّ نموذج مكتبة درب المعرفة يؤكد الحقيقة الثابتة بأن كفالة الحقوق وإن كانت مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، إلا أنّ قطاع الأعمال الذي يُضمن سياساته العامة نهجا قائما على تحمل المسؤولية المجتمعية والمساهمة في تعزيز حقوق الإنسان هو أداة رئيسة وفاعلة في احداث تغيير على مستوى حياة الأفراد وتمكينهم. هذا الدور الذي يتوجب ان يقوم به قطاع الأعمال أكدّ عليه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة العام 2015، في اطار حديثه حول دور قطاع الأعمال في حماية وتعزيز حقوق الإنسان بأن: «التحدي الذي يواجهنا هو التأكد من أنّ قطاع الأعمال ليس جزءا من المشكلة بل مصدرًا للحلول». وهو الأمر ذاته الذي أكدت عليه المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة بأنّ قطاع الأعمال بمختلف أشكاله عليه أن يقوم بتبني سياسة عامة واجراءات تنفيذية تعكس التزامه ومسؤوليته في احترام وتعزيز حقوق الإنسان.
إنّ تسليط الضوء على هذه التجربة الإنسانية التي تهتم بالأطفال وترقى بعالمهم من خلال القراءة وإعلاء شأن الكتاب موضوعها ورؤيتها، هي دعوة لخوض غمار هذه التجربة والانخراط من قبل القطاعات كافة في تجذير مفهوم المسؤولية المجتمعية، والمساهمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان، والسعي نحو أن يكون للجميع وفي المجالات كافة دور فاعل وبنيوي في تعزيز حقوق الإنسان خاصة للفئات الأكثر حاجة للحماية وفي مقدمتها فئة الأطفال.