الخصاونة.. اختبار الفرصة الأخيرة



حكومة الخصاونة أدت اليمين الدستورية أمام جلالة الملك عبد الله الثاني، ولكن اشتباكها مع الشارع قد بدأ قبل قسمها، حيث بدأ الكلام حول عدد من الأسماء التي حملت الحقائب الوزارية، المهمة لم تكن سهلة مما اضطر الرئيس إلى تعديل قائمة الأسماء أكثر من مرة حتى اللحظات الأخيرة، وهو ما يعني أن الرئيس حاول كثيراً لمواجهة موجة رفض الدخول في التشكيلة الحكومية في هذه المرحلة الحساسة، كما استطاع أن يشعر بتململ الشارع من بعض الأسماء التي كانت مرشحة للدخول في الفريق الحكومي، مستفيداً من حالة التفاؤل العامة بتوليه منصب رئيس الوزراء، ولكن المزاج العام خلال أسبوع تغير نوعاً ما، فهل قرأ الرئيس التفاؤل والتغيرات بصورة صحيحة؟

آمل أن يتمتع الرئيس الخصاونة بالحنكة السياسية اللازمة خلال المرحلة القادمة، لأنه سيحتاجها منذ اليوم الأول، فعدة أطراف في المعادلة السياسية لن تمنحه فرصة التمتع بمهلة المائة يوم المعتادة، متذرعين بعدة أسباب أبرزها أن الشارع لم يعد يقبل الانتظار، وبات ينتظر حلاً سريعاً وجذرياً للإشكاليات التي يعيشها يومياً، فالشارع لا يرى أن الحل مستحيل، بل ثمة مطالب بسيطة يمكن فيها إرسال رسائل تطمينية وتهدئ من حالة الاحتقان، وهو أمر صحيح في بعض جوانبه ولكنه غير دقيق في جوانب أخرى.

قد يرى البعض أن ثمة أسماء في التشكيل الجديد لا تساعد على إرسال مثل هذه الرسائل، وهو ما قد يوجب على الرئيس التفكير ملياً بكيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، وعدم الانجرار لمعارك جانبية، فالإنجاز الحقيقي على الأرض هو الوسيلة الوحيدة للخروج من عنق الزجاجة، وعليه أن يدرك أن التوقعات المرتفعة لدى فئة عريضة من العامة والنخبة قد طرأ عليها بعض التغيير من المباحثات والمشاورات، بحيث كون كل طرف موقفه من الحكومة بصورة مسبقة قبل إعلانها بسبب اسم أو أكثر.

حين يكلف كل رئيس بتشكيل الحكومة يظهر علينا بقوله أنه لا يحمل مفتاحاً سحرياً أو عصى سحرية لحل المشاكل والأزمات، ونحن ندرك ذلك ونقدره، ولكن على الرئيس نفسه أن يدرك ذلك، فليس المطلوب من الرئيس الجديد وصفات سحرية يسوقها له من حوله، لأنه في اختياره هذا الطريق إلى الحل إنما يختار الوقوع في المصيدة، لأنه في إطار بحثه عن الاستثنائي والسحري في الحلول الحكومية ينسى أو يتناسى أو يسقط سهواً الضروري والملح، فتأتي الحلول الحكومية حاملاً أسباب فشلها منذ لحظة الولادة.

الأردن ليس دولة كبيرة المساحة والعدد، والأردنيون يعرفون بعضهم جيداً، والأولى في هذه المرحلة أن يتم القيام بأعمال مدروسة من غير الدخول في مغامرات غير محسوبة.

على الرئيس الخصاونة أن يكون جاهزاً للتعامل مع مجلس نواب سيدافع عن مبررات وجوده، مجلس امتلك خبرة لا بأس فيها في قراءة المشهد السياسي بحكم تعدد الحكومات والتعديلات على الحكومات، وصار مدركاً لأهمية استعادة دوره مع الشارع، ولا يرى مدخلاً أوضح من الدخول في صراع مع الحكومة منذ اليوم الأول، وكذلك فإن المجلس سيدافع وبضراوة عن التعديلات الدستورية التي أقرها واستعادة هيبة ودور السلطة التشريعية، ومنعت تغول السلطة التنفيذية وإصدار القوانين المؤقتة وحالة غياب البرلمان.

يحتاج الرئيس الخصاونة إلى توفيق كبير، وعليه أن يأمل ألا يخطئ وزراءه سريعاً، كما أن عليه أن يراقب جلسات منح الثقة بهدوء وروية كي يعرف من سيواجه في الفترة المقبلة وما هي نقاط التوتر المتوقعة لوضع خطة استباقية لمعالجة المشكلة حال وقوعها، نأمل أن يتمكن الرئيس من المشي على ممر الجمر والعبور عبر حلقات النار والوصول إلى النهاية المرجوة بسلام، فهل يمكن أن يجمع الخصاونة حكمة القضاء وحنكة السياسي وحظ المبتدئين ودعوة المحبين، الأيام وحدها ستأتينا بالخبر المبين.