آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء
اخبار البلد ـ يثور الحديث بالفترة الحالية حول آليات إصدار مجلس الوزراء القرارات التي تدخل ضمن اختصاصه، هل يتوجب أن يكون ذلك من خلال المناقشة والتصويت عليها في جلسات المجلس، أم يمكن اتخاذها عن طريق التمرير، أي دون أن تعرض في جلسات المجلس وتناقش من قبله، إنما تمرر على الوزراء للتوقيع عليها بعد توقيع رئيس الوزراء؟
تعتبر هذه المسألة من المسائل الدستورية المهمّة في إنتاج قرارات مجلس الوزراء بشكل صحيح من الناحية القانونية، وذات جدوى وفاعلية من حيث المضمون والأثر، لما لها من تبعات عميقة في جسم الحياة العامة للدولة.
وتتجلى هذه الحقيقة الدستورية من أحكام المادة 45 من الدستور التي أسندت لمجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي قانون إلى أي شخص أو هيئة أخرى، وبذلك فإن مجلس الوزراء هو صاحب الاختصاص الأصيل بإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وهو ما يعرف بالولاية العامة. بالإضافة إلى الاختصاصات والمهام المسندة إلى مجلس الوزراء بموجب الدستور أو أي قانون نافذ. فالمواضيع التي يُسند الاختصاص باتخاذ القرار بشأنها لمجلس الوزراء تعتبر من أكثر المواضيع أهمية بالدولة، بوصف مجلس الوزراء صاحب الولاية العامة، وفي كثير من الأحيان يشترط المشرع اقتران ذلك القرار بالإرادة الملكية السامية لأهميته وضمان استقراره.
وقد نظّم الدستور الأحكام المرتبطة بصلاحيات مجلس الوزراء والمنهجية التي يجب أن تصدر من خلالها قراراته، وذلك من خلال:
أولا- تقضي المادة 45/2 من الدستور أن تعيّن صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدّق عليها الملك. ويشير هذا النص الدستوري إلى ضرورة إصدار نظام يتم بصلبه تعيين صلاحيات مجلس الوزراء، وإذ كانت صلاحيات واختصاصات مجلس الوزراء عديدة ومتنوعة في الدستور والقوانين النافذة، إلا أن مثل هذا النظام من شأنه أن يعيّن أهم هذه الصلاحيات والاختصاصات وينظّمها، كشأن أنظمة التنظيم الاداري للوزارات المختلفة التي تنص على مهام تلك الوزارات رغم تعددها بالقوانين والأنظمة ذات العلاقة.
كما من شأن هذا النظام أن ينظـّم آليات اتخاذ القرار في مجلس الوزراء وتحديد المواضيع التي يجب أن تطرح ضمن جدول أعمال المجلس وكيفية مناقشتها والتصويت عليها والأغلبية المطلوبة في هذه القرارات وتنفيذها.
وعليه، لا بد من اصدار نظام تنظيم أعمال مجلس الوزراء وصلاحياته، لضرورته الدستورية في تعيين صلاحيات المجلس ومنهجية اتخاذ القرار فيه.
ثانيا- طبقا للمادة 48 من الدستور يوقّـّع رئيس الوزراء والوزراء قرارات مجلس الوزراء التي ترفع إلى جلالة الملك للتصديق عليها في الأحوال التي ينص الدستور أو أي قانون أو نظام على وجوب ذلك، وينفّـذ هذه القرارات رئيس الوزراء والوزراء كلّ في حدود اختصاصه. فقد أوجب هذا النص الدستوري توقيع قرارات مجلس الوزراء من قبل رئيس الوزراء وجميع الوزراء بهدف ضمان إطـّلاع الوزراء على هذه القرارات وتثبيت موافقتهم على مضمونها عن طريق التوقيع عليها.
وبمفهوم المخالفة، إذا لم يوافق أحد الوزراء على قرار ما، فمن حقه ألا يوقّع عليه بالموافقة، وهذا يقتضي أن يكون جميع الوزراء اطـّلعوا فعليا على هذه القرارات.
وحوصلة القول، إن المشرع يحجز الاختصاص لمجلس الوزراء بإصدار القرارات في المواضيع المهمّة والفاعلة في حياة الدولة، ولا يوجد أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء لا يتّسم بهذه الخصوصية باعتباره أعلى سلطة عامة بالدولة، وهي ترتبط بجلالة الملك وغالبا ما يشترط اقتران قراراتها بالإرادة الملكية السامية، بالتالي يجب أن تصدر قرارات المجلس بعد دراسة وافية ومناقشة مستفيضة، ووفق منهجية تكفل المصلحة العامة للدولة.