تغير ترتيب مساهمات القطاعات في النمو الاقتصادي

اخبار البلد-

 

شهد العقد الأخير من عمر المملكة الأردنية الهاشمية تطورات متعددة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية، كان من أبرزها تكليف سبعة رؤساء بتشكيل حكومات، كان عبد الله النسور، رئيس الوزراء العاشر في عهد الملك
عبد الله الثاني، هو الأطول استمرارًا في منصبه بـ1326 يومًا، وفايز الطراونة، رئيس الوزراء التاسع، هو الأقل بقاءً في منصبه بـ161 يومًا.
إن المراجع لجميع كتب التكليف يجد تركيز الملك عبدالله الثاني على أولويات رئيسية تهم الوطن والمواطن وتقتضيها الرؤية الثاقبة للملك للمستقبل وفقاً للتطورات المحلية والإقليمية والعالمية بشكل عام. وقد تراوحت تلك الأولويات ما بين الشؤون الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية. وبمراجعة لأولى أولويات كتب التكليف نجد أنها مختلفة وتتغير بتغير الحكومات. فقد كان الإصلاح الاقتصادي ضمن إطار عمل برامجي مؤسسي لحكومة سمير الرفاعي الثانية 2010، والإصلاح الحقيقي الملموس، وتعزيز الحريات، وإرساء قواعد الحوار لحكومة معروف البخيت الثانية 2011، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في رسم سياسات تنافسية، وتوفير فرص عمل في كافة أنحاء الأردن لحكومة عون الخصاونة 2011، ومكافحة الفساد والمحافظة على المال العام من الهدر والضياع. لحكومة فايز الطراونة 2012، وإجراء تقييم موضوعي للسياسات الاقتصادية التي اتبعها الأردن خلال العقدين الماضيين لحكومة عبدالله النسور 2012، ودعم الحكومة للأجهزة والمؤسسات الرقابية المعنية بالتفتيش والرقابة على الغذاء والدواء والمنتجات كافة لحكومة هاني الملقي 2016، وتعزيز دولة القانون ودولة الإنتاج ودولة التكافل لحكومة عمر الرزاز 2018.
التغير الواضح والجديد في ترتيب وحجم مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي هو عودة قطاع منتجي الخدمات الحكومية ليحتل المرتبة الثالثة بدل قطاع النقل والاتصالات وبنسبة مساهمة وصلت إلى 13.5 %، وذلك بعد أن كان قد خرج في العقد الأول من هذه الألفية من المنافسة على أول ثلاثة قطاعات تساهم في النمو الاقتصادي. بالمقابل، فقد استمر قطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال باحتلال المرتبة الاولى في كونه القطاع القائد للنمو الاقتصادي في المملكة وللعقد الثالث على التوالي طوال الفترة 1990– 2019، وبنسبة مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 22.1 % في العقد الأخير مقارنة مع 17.6 % و 17.4 % في العقدين السابقين على التوالي. واستمر أيضا قطاع الصناعات التحويلية بالاستحواذ على المرتبة الثانية في قيادة النمو الاقتصادي لعقدين متتاليين وبنسبة مساهمة في الناتج المحلي الاجمالي وصلت الى 19.4 %.
إن استمرار تبوؤ قطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال المرتبة الأولى لثلاثة عقود متتالية يعكس أهمية هذه القطاعات في الاقتصاد العالمي طوال الثلاثين عاما الماضية. ولكن التساؤل المطروح الآن هو، هل ستستمر هذه القطاعات بالاستحواذ على المرتبة الأولى في الأهمية في ظل التطورات الكبيرة التي احدثتها الثورة الصناعية الرابعة في الاقتصاد العالمي والتطورات الأخيرة التي برزت جراء انتشار جائحة كورونا؟ هذا ما ستجيب عليه السنوات المقبلة والتي يتوقع أن تكون حافلة بالتغيير والتطور، بحيث ستظهر قطاعات وتختفي أخرى تقتضيها متطلبات العصر الجديد.
أخيرا ينبغي القول بأن هناك مجموعة من العوامل التي تحدد مساهمات القطاعات في النمو الاقتصادي، منها، وجود قطاعات غير رسمية كبيرة في الاقتصاد تقدر قيمتها بحوالي 25 % من الناتج تشوه المساهمات، واختلاف إنتاجية القطاعات وإنتاجية القوى العاملة، واختلاف ترتيب أولويات الحكومات، ومدى وفرة عوامل الإنتاج، ونوعية مخرجات التعليم بمختلف مستوياته، بالإضافة الى الترابطات القطاعية التي تظهرها جداول المدخلات والمخرجات input-output tables وأخيرا مستوى التطور التكنولوجي الداخل في العمليات الانتاجية على المستوى القطاعي.