لماذا الآن هو الوقت المناسب لوقف مشروع الباص السريع؟

اخبار البلد ـ النقل العام في عمان والأردن عموما مشكلة مزمنة لكنھا لیست مستعصیة. ولكن تشابك المصالح والتنفیعات المتبادلة تجعل المشكلة سرطانیة ممیتة. انفجرت العبقریة بمشروع الباص السریع منذ العام ألفین وثمانیة لكن المشروع تعثر وسیبقى كذلك إلى أن یتم وقفه والاعتذار عنه والآن ھو الوقت المناسب لذلك.

تشعر أمانة عمان أن المشروع ریادي لكن النتائج المأساویة التي ستنتج عنه ستكون أكبر من كل التوقعات. من حیث الكلفة فھي عالیة جدا. تقسیم المشروع على عدة مقاولین باتفاقیات جانبیة لا یجعل الكلفة قلیلة كما تبدو في الظاھر. ھناك قرض فرنسي اتفق علیه في العام 2010 بقیمة 117 ملیون دینار بفائدة 4 في المئة لمدة عشرین عاما (وتم.التعدیل إلى ثمانیة عشر عاما) أي أن قیمة السداد ستكون مئة وسبعین ملیون دینار بإضافة الفوائد المستحقة.

أما خط عمان الزرقاء فكلفة بنیته التحتیة مئة وأربعون ملیون دینار ممولة من صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي عبر شركة یملكھا بالكامل تحت اسم شركة الضمان للتأجیر التمویلي مقابل نقل ملكیة عدد من قطع الأراضي باسم الشركة بقیمة التمویل من خلال توقیع عقد تأجیر تمویلي مع الحكومة.

بھذا تكون كلفة البنیة التحتیة للمشروعین 170 ملیون دینار القرض الفرنسي وفوائده یضاف لھا مئة وأربعون مساھمة الضمان ثلاثمئة وعشرة ملایین دینار وھي كلفة البنیة التحتیة فقط عدا كلفة الباصات نفسھا والشركة التي ستقوم بالتشغیل. أما الخسائر المقدرة التي سیتحملھا الاقتصاد الوطني جراء الإغلاقات والتحویلات الناجمة عن المشروع فیقدرھا خبراء السوق بانھا تبلغ عشرات الملایین من الدنانیر وقد تزید عن ذلك. بالإضافة إلى خسارة ھدر الوقود بسبب الأزمات المروریة التي قدرھا الخبراء بحوالي سبعین ملیون دینار سنوی.

أي عبقریة ھذه التي خططت للمشروع، ولو اجتمعت الإنس والجن والشیاطین وأساتذة ھارفارد وبرنستون وجامعة.لندن للاقتصاد لیأتوا بمشروع یجسد الفشل واضطراب التفكیر والخسائر المؤكدة لما توصلوا إلى ھذا المشروع.

شبھات كثیرة دارت حول المشروع كان یجب معھا وقفه في وقت مبكر. فالمشروع الذي أقرته حكومة عبد الله النسور توقف بالفعل في شھر أیلول عام 2011 بعد أن قال تقریر من دیوان المحاسبة أنه «لا یعود بجدوى على الصعید الھندسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو البیئي ومن حیث وضعه المتعلق بالتصامیم والمسارات». واتھم تقریر الدیوان أمانة عمان في حینه «بتنفیذ المشروع من دون استكمال الدراسات اللازمة والكاملة لھ من النواحي الھندسیة« والاجتماعیة والبیئیة والاقتصادیة.

في السادس من أیلول عام 2011 وضعت لجنة برئاسة وزیر الأشغال العامة آنذاك یحیى الكسبي تقریرھا حول مشروع الباص السریع بین یدي رئیس الوزراء معروف البخیت وقالت فیه بعدم إمكانیة تنفیذ المشروع وفي العشرین من الشھر نفسه نقلت صحیفتا الدستور والرأي عن الوزیر تصریحا بھذا المعنى وجاء فیه أیضا أن «فشل مشروع الباص السریع تتحمل مسؤولیته أمانة عمان» الغریب في الأمر أن الوزیر نفسه وفي الیوم التالي اضطر لنفي تصریحاته بل والتصریح بعكس ما صرح به في الیوم السابق.

وعندما عاد وزیرا للنقل في حكومة ھاني الملقي كان مؤیدا للمشروع وتحدث بمعلومات كانت قد أعلنتھا وزیرة النقل في حكومة عبد الله النسور من قبله لینا شبیب وكأن الذي كتب الخبر استحضر نص تصریح الوزیرة قبل ثلاث سنوات ونسبه للوزیر على أساس انه لا أحد یقرأ وان قرأ فلا یتذكر. في تلك السنة قالت وزیرة النقل في الترویج للمشروع أن الباص السریع سیكون مھیأ لنقل 410 ركاب في الساعة في سنة تشغیله الأولى عام 2018 .وقالت إن كلفة المشروع 110 ملایین دینار ممولة من الصندوق الكویتي للتنمیة وفي الواقع لم ینفذ شيء مما قالته الوزیرة.

عادت الأمانة في العام 2013 بالتحضیر مجددا للمشروع بناء على تعلیمات من رئیس الوزراء عبد الله النسور وكان الأمین وقتھا عقل بلتاجي. قالت الأمانة وقتھا في تبریر العودة الى المشروع أن كلفته المتواضعة وسھولة تنفیذه وتطبیقه مقارنة مع التطبیقات الأخرى تجعل منه مشروعا مفضلا لكن المشروع عاد وتعثر وتوقف وكان یجب الغاؤه.

ھناك تصریحات لأمین عمان السابق عقل بلتاجي یقول فیھا أن شائعات عن سرقة أموال القرض الفرنسي المخصصة للمشروع أخرت المشروع والا فانه كان سیكتمل في عام 2016 .تصریحات بلتاجي في ذلك الوقت في شھر تشرین ثاني 2016 نقلت بصورة غیر دقیقة وفھم منھا انه تم سرقة القرض الفرنسي كله لكنه عاد لیوضح أن قصده كان وجود شائعات عن سرقة أدت إلى تأخیر التنفیذ وتعطیله.

في منتصف عام 2019 نشطت الأمانة في تحریك المشروع من جدید ومنحت عطاءه لشركة أو شركات للتنفیذ وبدأت مرحلة معاناة جدیدة للمواطنین من الإغلاقات والتحویلات. لیكون ھذا المشروع الأكثر كلفة في تاریخ الأردن والأطول وقتا في التنفیذ قیاسا إلى حجمه وكلفته ونتائجه.

شاب ھذا المشروع الكثیر من الشبھات واظھر الكثیر من التخبط في التخطیط والتلكؤ في التنفیذ. الشوارع الرئیسیة في عمان متعطلة بسبب الأعمال الإنشائیة للمشروع ولكن للأسف من یمر من قرب مواقع العمل لا یجد عملا ولا یجد من یعمل إلا نادرا. واضح أن مقاولا واحدا اخذ المشروع كلھ ویقوم بتوزیع عمالھ بالتناوب بین المناطق. والواضح أكثر انھ لا توجد رقابة ولا متابعة وكان الأمر لا یعني أحدا من المسؤولین في الأمانة أو الحكومة. تمر أیام عدیدة على موقع معین بدون أي عمل على الإطلاق.

في 19 شباط 2020 صرح ریاض الخرابشة مدیر المشروع أن تقاطع المدینة الریاضیة سیتم إنجازه أواخر أیار أو بدایة حزیران وھذا حزیران یقترب من نھایته والعمل في تقاطع المدینة یبدو وكأنه في أوله وما زلنا ننتظر.

ولیس بعیدا عن الباص السریع مشروع باص عمان حیث شغلت الأمانة أكثر من خمسین حافلة متوسطة وكبیرة على الخطوط الداخلیة لكي یكون مغذیا لحركة الباص السریع في عمان. ولكن حتى ھذا المشروع شابته شبھات. فقد شكك مقال للصحفي أسامة الرامیني نشره في موقع وكالة ھرمنا الإخباریة في حزیران عام 2019 نشره أكثر من موقع إلكتروني في كفاءة تلك الحافلات وشككت في معاییر جودتھا.

أمر غریب أن تقوم أمانة عمان من خلال شركة مملوكة لھا بالكامل بتجارة خاسرة بھذا الشكل الذي لا یمكن أن یقوم به تاجر بسطة. ھل یعقل أن الأمانة عبر شركة «رؤیة عمان» تدفع 18 ملیون دینار ثمن حافلات ثم تعطیھا لشركة خاسرة یباع سھمھا بخسارة تصل إلى خمسین في المئة من قیمتھ الاسمیة ودیونھا تقترب من 17 ملیون دینار بواقع 113 في المئة من رأسمالھا لتشغیلھا وتدفع للشركة سنویا عشرة ملایین دینار فرق أسعار تذاكر؟

على فكرة الشركة تأخذ من الجامعة الھاشمیة فرق تذاكر بمبلغ یزید عن 440 ألف دینار سنویا.

یعني الأمر أشبه بشخص یبني بیتا ویمنح لشركة عقاریة ثم یأتي لیستأجره منھا. ھل یوجد عبقریة أجمل من ھذه العبقریة؟ لو سألت بیاع بسطة في الوحدات لقال لك اعطي امتیاز تشغیل باصات في عمان لإحدى الشركات ونم مستریحا. أما ما قامت بھ الأمانة مع الشركة التي تشغل باص عمان فھي تجارة مضحكة ولیس فقط تجارة خاسرة ولذلك من المؤكد انه توجد فیھا شبھات تحتاج تدقیقا قضائیا من قبل خبراء ومختصین.

لنعد إلى الباص السریع والأحق أن یسمى الباص الصریع. فتكلفة بنیته التحتیة فقط ثلاثمئة وعشرة ملایین دینار وھي فقط للشارع والرصیف والمواقف والأدراج الكھربائیة وربما الواي فاي أیضا. أما أثمان الحافلات فھي أربعون ملیون دینار بأسعار عام 2009 والیوم ربما صارت مئة ملیون. یضاف إلیھا كلفة التشغیل. وربما تزید علیه الأمانة بان تقدم للشركة التي ستشغل الباصات فرق تذاكر بعشرین أو ثلاثین ملیون دینار سنویا، ھل یتوقع صاحب فكرة المشروع أن الناس بین عمان والزرقاء ستضع سیاراتھا جانبا لكي تستعمل الباص السریع لھذه المسافة القصیرة؟ أو حتى الناس في عمان ھل یمكن أن یتركوا سیاراتھم الخاصة لاستعمال الباص السریع الذي لا یغطي غیر مساحة ضئیلة من عمان؟

فكرة الباص السریع تشبه فكرة من یرید أن یعلم طفله الرقص قبل أن یعلمه المشي. أو كما وصفتھا الصحافة الأردنیة في الماضي وكأنھا اختراع مركبة فضائیة أو رحلة إلى المریخ.

تعلم أمانة عمان أن ثمن الباص الكبیر سعة خمسین راكبا ما بین 130-140 ألف دینار. أي انه یمكن أن یتم إنشاء ملیون دینار وتغطي كل 130 = X130000شركة حكومیة تشتري من شركة إلبا ھاوس الأردنیة ألف باص (1000 ) عمان (على فكرة شركة إلبا ھاوس تصنع باصات من طابقین للعراق ومصر).

مھما تكن تكلفة الباصات الألف ومھما تكن تكلفة التشغیل فانه یجب أیضا أن تكون أسعار التذاكر شبه مجانیة ومجانیة كبار السن لان النتائج الناجمة عن التشغیل بھذه الطریقة سیكون لھا مردود كبیر ومربح للغایة على المدى البعید.

عندما یتم تشغیل حافلات بإعداد كبیرة على جمیع خطوط عمان وبین عمان وكل من الزرقاء ومادبا والسلط وتكون أسعارھا شبه مجانیة (بطاقة بعشرین دیناراً شھریا) لكل الخطوط ولكل الأوقات فان الوفر بعید المدى سیشمل: تخفیض فاتورة النفط السنویة، وتخفیض استیراد البنزین، تخفیض فاتورة استیراد السیارات وقطع السیارات، تخفیض كلفة الحوادث، توفیر أوقات الناس، تخفیض نسبة التلوث البیئي وبالتالي تخفیض نسبة الإصابات السرطانیة التي ھي في الأردن من الأعلى في العالم. وكل ھذه الكلف ستدفعھا الحكومة في حال بقي الوضع على ما ھو علیه. إلا إذا كانت مافیا مستوردي السیارات ومستوردي القطع ومستوردي البنزین ومستوردي الأدویة وسماسرة النفط لا یریدون ذلك ((في الأخبار أن ألمانیا تدرس جعل النقل العام مجانا لتحقیق ذلك.

لن تكون كلفة النقل العام مھما كلف بحجم كلفة فاتورة النفط وفاتورة التلوث البیئي وفاتورة الأمراض السرطانیة وفاتورة استنزاف العملات الصعبة لاستیراد خردة سیارات العالم.

وقف مشروع الباص السریع الیوم قبل الغد یجب أن یكون مطلبا وطنیا ولنوقفھ بإرادتنا قبل أن نوقفھ رغما عن إرادتنا وقبل فوات الأوان.