ماذا لو اختار الأردن مسارًا آخر لمواجهة الوباء؟!

اخبار البلد-

 
نعم، هناك فئة من مجتمعنا ليست راضية عن الإجراءات التي قامت بها الحكومة والاجهزة المعنية في مواجهة «جائحة الكورونا»خلال الشهور الثلاثة الماضية. فحسب رأيها الوباء ليس بهذه الخطورة التي يتم وصفها في وسائل الاعلام، بل ويعتبرون ان اجراءات الحجر الصحي الالزامي،واستخدام وسائل السلامة الشخصية والمجتمعية، وما رافقها من غلق المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، لا مبرر لها، منطلقين في رأيهم من «نظرية المؤامرة « من قبل «جهات» تستهدف الربح اولا، والسيطرة على البشرية والتحكم بعقول وسلوك الناس، وتوظيف كل ذلك للهيمنة على العالم(!).
ان كاتبة هذه السطور ليست مؤهلة لاعطاء رأي او تحليل في مثل هكذا قضايا معقدة، ولا تملك الادلة العلمية الكافية للحكم او اتخاذ موقف معين. لكن المؤكد، فيما يتعلق بهذه المسألة التي لا تزال احجية لكثير من المتابعين والمهتمين،بل والخبراء ومراكز البحث العلمي، ان الجائحة (البانديميا) هي حقيقة موجودة على ارض الواقع، وهي فريدة من حيث طبيعة انتشارها وخطورة المرض، وبخاصة لكبار السن وأولئك الذين يعانون من امراض تؤدي الى إضعاف جهازهم المناعي، وبالتالي فإن الجهود يجب ان تكرس لمواجهة الوباء، بدل اضاعة الوقت في جدال سيلهينا حتما عن الخطر الحقيقي، بل ويضعف إرادتنا لمواجهته.
وهنا يبرز السؤال:ماذا لو اختار الاردن مسارا آخر لمواجهة الوباء، اعتمادا على رأي اصحاب «نظرية المؤامرة «
إياها، او حتى خيار « المناعة المجتمعية»، باعتبار المرض لا يختلف عن الانفلونزا الموسمية التي تصيب الملايين سنويا، وتترك مناعة معينة لدى المرضى يمكن تعزيزها بجرعات اللقاح للموسم الذي يليه (؟)، وهو ما اعتمدت عليه العديد من الدول في تعاملها مع الوباء، كالسويد،وكذلك اميركا وبريطانيا (في المراحل الاولى للجائحة).
ان المتابعة الدقيقة لمسار الوباء حول العالم وتجارب التعامل معه تبين، ودون ادنى شك، ان حالنا،لو اخترنا طريقا آخر غير الذي سلكناه، لن يكون بأفضل(ان لم يكن اسوأ بكثير) مقارنة بما حصل في العديد من الدول التي شهدت اعدادا هائلة من الإصابات في فترة زمنية قصيرة، اصبحت معها انظمتها الصحية غير قادرة على استيعاب الحالات التي تحتاج الى عناية حثيثة واجهزة التنفس الاصطناعي، وما رافق ذلك من هلع وفوضى وزيادة في الوفيات، على الرغم من امكاناتها الاقتصادية والتقنية العالية (ايطاليا واسبانيا -نموذج). فكيف بالدول الفقيرة والاقل تطورا، والتي شهدت عجزا واضحا في مواجهة الوباء !.اي ان البدائل الأخرى لخيار الاردن لم تكن فعالة وكانت نتائجها كارثية صحيا واقتصاديا.
من هنا، فإن النموذج الاردني في التعامل مع « جائحة الكورونا «كان ناجحا من خلال : الاستجابة السريعة، والتخطيط السليم، والتنفيذ الحازم للخطط، والمرونة الحذرة القائمة على المعطيات الوبائية الدقيقة، من حيث مدى وتوقيت تخفيف او تشديد اجراءات الحجر وفتح المنشآت. وهذا لا يعني،باي حال، إنكار وجود أخطاء هنا او تقصير هناك،وهذا طبيعي ومبرر، فنحن نتعامل مع فيروس متحور فاجأ العالم بظهوره وسرعة انتشاره الوبائي، دون ان يكون للانظمة الصحية العالمية خبرة سابقة بالتعامل معه. فتحليل وتقييم التجربة ضروري دائما ليس لجلد الذات، بل للإستفادة من الايجابيات وتعزيزها، وتفادي السلبيات والتقليل من آثارها.
واخيرا، يمكن القول وبكل ثقة، بان التجربة الأردنية في مواجهة الوباء كانت ناجحة بكافة المقاييس، ولاقت اهتماما واعجابا على المستويات الاقليمية والدولية، وعكست الصورة الجميلة لبلدنا-صورة الشعب القوي المتماسك الملتف حول قيادة جريئة وحكيمة، تأبى إلا ان تكون في المقدمة لمواجهة التحديات مهما عظمت(!).
*رئيسة الجمعية الاردنية للتثقيف الصحي