هل تتغير النخب الحكومية

رغم الأجواء المتفائلة التي حاولت وسائل إعلام نشرها بعد تكليف د.عون الخصاونة بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن التفاؤل بشخوص الرؤساء لم يعد يكفي الشارع الاردني، الذي لم يقل كلمته بعد، وسوف يصدر خلال ساعات حكمه الأولي بعد أن تظهر النخبة الحكومية الجديدة.
 خلال عقد مضى مر الأردن في لحظات حرجة تشبه في تعقيدها حجم المتغيرات التي يشهدها الأردن اليوم، صاحب ذلك فشل في المنهج التقليدي الذي اعتادت عليه البلاد في تجنيد وتصعيد النخب الحكومية، إلا أن المحاولات السابقة لتجاوز القانون الحديدي لتصعيد النخب الحكومية باءت جميعها بالفشل، وهنا تكمن اليوم نقطة الاختبار الحرجة من جهة والأكثر صدقا مجتمعيا من جهة أخرى. لا أحد في الأردن يريد إحداث قطيعة شاملة مع البنية الحكومية التقليدية بنخبها وآلياتها؛ فيما ما يزال الخطاب في الشارع  يدور في مثلث إصلاح هذه البنية من خلال تحريرها من الفساد وإعادة تأهيلها على أسس الجدارة والكفاءة، ومدها بالدماء الجديدة، ولكن الإصرار على استمرار هذه البنية لن ينسحب هذه المرة على الناس، بل يعد اليوم أحد مصادر التهديد التي ستجعل الشارع يكفر بهذه النخب ويبحث عن الطلاق والقطيعة معها.
   ساهمت مؤسسات نظامية وأخرى غير نظامية في تشكيل النخبة الحكومية خلال فترة بداية تأسيس الدولة الحديثة وحتى نهاية القرن الماضي، وما يزال العديد من هذه المؤسسات يتحكم في خيوط تصعيد الأفراد في السلم الحكومي، ولكن الذي حدث خلال سنوات العقد الماضي أن أُضعفت بنية تلك المؤسسات وعلاقتها العضوية بالدولة ولم يتم تجديدها على أسس البنية الوطنية الديمقراطية، فيما ضربت الأدوات الجديدة لتصعيد النخب عمق هذه البنية التقليدية ولم تأت بالجديد.
 أول أدوات التصعيد التقليدية، البيروقراط الإداري نفسه؛ حيث توصف مدرسة البيروقراط الأردني بالثبات والتراكم، وهو ما جعل لها أدوارا حاسمة في مراحل بناء الدولة المتعددة، وفي تحديد اتجاهات النخب الاجتماعية والسياسية. وثاني هذه المصادر الجيش والمؤسسة الأمنية، حيث لعب ضباط الجيش الأردني والمؤسسات الأمنية الأخرى دورا أساسيا في مد مؤسسات الدولة برموز النخب الحكومية، ومارست هذه المؤسسات نفوذها في تحديد معايير النخب الحكومية، والحكم على مدى ملاءمة الأشخاص لشغل المواقع الحكومية. وعكس ما يتوقع البعض شكلت حركة الاخوان المسلمين المصدر الثالث لتشكيل النخب الحكومية بشكل مباشر وغير المباشر في الحكومات والمؤسسات العامة للدولة؛ فالعديد من رموز تلك النخب كانت لهم خلفية اخوانية، حيث كانت المنافذ مفتوحة بشكل واضح أمام نخب جماعة الإخوان المسلمين للوصول للمراكز الحكومية. أما المصدر الرابع فهو العشائر والقبائل؛ حيث عمل النظام السياسي على احتواء القبائل والعشائر في عدة مسارات أساسية من خلال توسيع نطاق المواقع السياسية التي يحصل عليها أبناء العشائر الفلاحية والبدوية وتمثيلهم البرلماني.
  خلال السنوات الاخيرة لم يعد هذا الإطار يصلح في الاستمرار في بناء الدولة وتحديثها وبناء نخبها على اسس من الكفاءة والجدارة والتنوع، وبدل تجديد هذا الاطار تم تهشيمه، ولم يلد الا الفوضى؛ فبدل البيروقراط الاداري تسلل مجتمع الأعمال على شكل أفراد وليس كتلة تاريخية رأسمالية عاقلة، ما اشاع الفساد والنهب، وفيما تراجع دور العشائر برزت قوة العائلات وقوة التوارث في وسطها على أسس قرابية صغيرة ودوائر شللية ضيقة بين الأنساب والأصهار. القدرة على تجديد النخب الحكومية تعد اليوم أحد المعايير المباشرة التي تحكم على مدى إدراك النظام السياسي للدروس الداخلية قبل الاستفادة من تجارب الآخرين، والجسر الذهبي للعبور نحو استعادة ثقة المجتمع.