حرية أميركا

اخبار البلد ـ لقد سبق زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ أن وصف المجتمع الأميركي على أنه «مريض»، قبل أن يتلقى رصاصات الاغتيال يوم 4 نيسان 1968، رداً على خطابه التضامني مع احتجاجات عمال بلدية ممفيس بولاية تينيسي، الذين خرجوا بمسيرة مطالبين بالمساواة في الأجور للعمال السود كما للعمال البيض، ورفضاً لظروف العمل القاسية التي كان يفرضها رئيس البلدية العنصري.

اغتيال رجل الدين الأسود مارتن كينغ، تحول إلى تظاهرة اجتاحت العديد من المدن الأميركية، كما حصل مع قضية جورج فلويد وتحول مقتله يوم 25/5/2020، إلى ظاهرة احتجاجية ليس فقط ضد التمييز العنصري، بل تحولت إلى مطالب مزدوجة ضد التمييز والفقر معاً، أي أنها شملت قضيتين قومية وطبقية، فالبلد القوي الثري لديه أكثر الأثرياء عدداً وأوسعهم ثراء، ينتشر الفقر والحرمان بين مساماته، ويفتقر لفرص التعليم والعلاج والسكن والوظائف الملائمة للشرائح متدنية الدخل.

المجتمع الأميركي أكثر المجتمعات المعاصرة ارتكبت جرائم بحق الإنسانية، فقد أنهت حياة الهنود الحمر أهل البلاد الأصليين الذين كانوا ما بين 40 إلى 90 مليون نسمة حينما وصلها كولومبوس عام 1492، وقد جلب الأوروبيون معهم الأوبئة المرضية كوسيلة حصدت السكان الأصليين، ولا يوجد أكثر سوءاً وإنحداراً من السلطات الاستعمارية البريطانية آنذاك، حينما كانت توزع الأغطية (الألحفة) الحاملة للأمراض على الهنود الحمر، بهدف إنهاكهم وتصفيتهم والإسراع بموتهم.

كما تعاملت مع الأفارقة كعبيد دون الجنس البشري، وكانت ولاية فرجينيا أول مستعمرة بريطانية جلبت الأفارقة إلى أميركا عام 1619، وعلى خلفية الحرب الأهلية أصدر الرئيس ابراهام لينكولن مرسوماً يوم 22 أيلول 1862 لتحرير العبيد، ولكن الكونغرس الأميركي لم يقره سوى يوم 6 كانون أول 1865، وبذلك أنهى قانونياً العبودية في الولايات المتحدة.

جريمتا التعامل مع الهنود الحمر والأفارقة في أميركا، خلاصة الثقافة الاستعلائية والتمييز وكره الآخر لدى الأوروبيين، وعليها تم التعامل مع اليهود وكرههم والتخلص منهم على يد القيصرية الروسية والنازية الألمانية والفاشية الإيطالية، ودوافع حملاتهم الاستعمارية لبلدان العالم الثالث في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية.

استعادة الحرية والمساواة للسود في أميركا ونضالهم من أجل إلغاء العبودية ووقف التمييز لم يكن سهلاً، بل تم عبر تقديم التضحيات الكبيرة، فقد سبق مارتن لوثر كينغ العديد من قيادات النضال الأميركي يقف في طليعتهم هاريت نايمان الناشطة الحقوقية الأميركية من أصول إفريقية، التي فرضت عبر نضالها لتكون أول إمرأة يتم وضع صورتها على ورقة الدولار الأميركي، وقد جرى لها جنازة عسكرية رسمية بما يليق بدورها الكفاحي من أجل شعبها وأبناء قوميتها.

كما تم تعميد دور فريدريك دوغلاس الذي تمرد على سيده، وسجل التاريخ أنه في طليعة المناضلين السود من أجل رفض العبودية والدفاع عن حقوق شعبه من الأفارقة الأميركيين.

لم تعد قضية جورج فلويد مجرد التعويض لأسرته، والعقوبة لمن قتله، بل تحولت قضيته إلى هبة أميركية تحمل مضامين الرفض للظلم القومي والطبقي، ولذلك لم يكن مستغرباً تعاطف الفلسطينيين والعرب والمسلمين داخل الولايات المتحدة مع قضيته، لأنها قضيتهم، فالمجرم واحد والأذى مشترك، ولهذا هتف المحتجون في أكثر من ولاية الحرية لفلسطين

«Free Palestine» لإدراكهم ووعيهم أن الاستعمار والعنصرية وجهان لمضمون تعسفي غير إنساني واحد، فسقوط النظام العنصري في الولايات المتحدة سيحرر الشعب الأميركي من هيمنة الصهيونية ونفوذ أدواتها، وتسلطهم على الإعلام والكونغرس والخارجية والبيت الأبيض لجعل قدرات الولايات المتحدة خارج أسر المستعمرة الإسرائيلية وسياساتها، وتجعل مؤسسات صنع القرار الأميركي أكثر حرية في تفهم نضال الشعب الفلسطيني والانحياز لعدالة قضيته.