المجتمع المدني في الشمال يناقش مصائر القوانين المؤقتة السارية

أكدت فعاليات المجتمع المدني في إربد والمفرق وجرش ان التعديلات الدستورية التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من الشهر الجاري، تعد خطوة إيجابية نحو الاصلاح التشريعي، لكن تشوبها بعض النواقص على صعيد عدم تصديها الى وضع القوانين المؤقتة السارية وعدم إضافتها لمادة توجب الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، الى جانب عدم تضمينها مادة تنص على إجراء المراجعة الدورية لمواد الدستور، مطالبين بوجوب إشراك مؤسسات المجتمع المدني في عملية التعديلات الدستورية ووجوب تضمين اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية أساتذة في القانون الدستوري. جاء ذلك في ندوة وطنية نظمها معهد بصر لدراسات المجتمع المدني بمحافظة اربد في إطار المشروع الوطني "حوار المجتمع المدني حول القوانين المؤقتة"، الذي ينفذه المعهد والذي عقد أمس ثاني نشاطاته في هذا الإطار، ونظمت الندوة برعاية رئيس جامعة اليرموك، الدكتور عبدالله الموسى. وشارك فيها ممثلو العشرات من منظمات المجتمع المدني والنقابات والفعاليات الشبابية والنسائية والأكاديميين ومراكز الدراسات في محافظات إربد والمفرق وجرش. وفي كلمة افتتح بها اعمال الندوة اشار نائب رئيس جامعة اليرموك الدكتور زياد الكردي الى أهمية موضوع القوانين المؤقتة التي صدرت بالعشرات وأهمية فتح الحوار المجتمعي حولها، مؤكداً على اهتمام جامعة اليرموك بالمواضيع التي تخص المجتمع المدني وبدعم مسيرة الاصلاح الديمقراطي التي ينتهجها الأردن. من جانبها، استعرضت الدكتورة مي الطاهر، مديرة معهد بصر لدراسات المجتمع المدني، تطور مسيرة المطالبات الشعبية بالاصلاح، والتي بدأت باعتصامات عمالية ومطالبات بتحسين مستويات المعيشة وتخفيض الأسعار، ومرت بمرحلة تشكيل لجنة الحوار الوطني والخروج بصيغ معدلة لقوانين في صلب الاصلاح الديمقراطي، منها قانون الانتخاب والأحزاب السياسية والبلديات، والتي توجت مؤخرا بالمصادقة على التعديلات الدستورية التي مست حوالي ثُلث مواد الدستور. وفي الجلسة الأولى قدم المحامي حسين العتيبي، رئيس جمعية المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، قراءة في الدستور الأردني وصفاته ولغته واتجاهاته، مشيراً الى دور المجتمع المدني في حماية وصيانة الدستور، ومؤكداً انه كان ينبغي ان يكون هناك دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني في صياغة التعديلات الدستورية، فعملية التعديلات تتطلب توافق مجتمعي وتتطلب أخذ آراء مختلف فئات وأطياف المجتمع حولها. وحول آليات حمايلة الدستور، تحدث العتيبي انها تتمثل في المحكمة الدستورية، حيث ان الأصل هو ان منظمات المجتمع المدني والأحزاب هي التي تطعن في القوانين، الى جانب التعددية الحزبية، والأجهزة الإعلامية لتقوم بالرصد والتحري وتوعية المجتمع ونشر الثقافة السياسية، مؤكداً ان حماية الدستور إنما تتطلب قناعة مجتمعية بالدستور، ومن هنا فمن المهم ان يكون المجتمع مؤمناً فيه ومشاركاً في صياغته. أما الدكتور المحامي جودت مساعدة، فقد عرض قراءة تحليلية في التعديلات الدستورية لعام 2011، موضحاً ان التعديل شمل ما يعادل 33% من المواد في الدستور، وأنه طيلة السنوات الماضية تم تعديل 28 مادة. وتحدث مساعدة عن دسترة إنشاء النقابات والجمعيات، ومسألة ازدواجية الجنسية، وآلية منح الثقة بالحكومة، والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وإنشاء المحكمة الدستورية، وضوابط إصدار القوانين المؤقتة، ومدة الدورة البرلمانية. وأكد مساعدة ان التعديلات الدستورية إيجابية وإن لم تكن كافية، موضحاً ان القوانين ليست مقدسة بل قابلة للنقد في كل زمان ومكان. من جانبه، تحدث الدكتور كريم كشاكش، أستاذ القانون الدستوري في جامعة اليرموك، حول القنوات والمراحل التشريعية لإقرار القوانين، وآلية اقتراح القوانين، طارحاً السؤال: هل أعادت التعديلات الدستورية التوازن بين السلطات الثلاث؟ وأكد كشاكش على أربعة مبادئ للدولة الديمقراطية، هي مبدأ المساواة، وخضوع الدولة للقانون، والفصل بين السلطات، والرقابة على دستورية القوانين. وحول القوانين المؤقتة التي يبلغ عددها المئات، أفاد كشاكش ان القوانين المؤقتة إنما تشكل خرقاً للدستور وخرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وأنه تم معالجة إصدارها مستقبلاً في إطار التعديلات الدستورية، غير أنه لم يصدر أن نص أو توضيح بشأن مصير المئات من القوانين المؤقتة التي لا زالت سارية. وأجمع المشاركون على وجود نواقص عديدة في التعديلات الدستورية التي أقرت مؤخراً، منها ضرورة تضمين التعديلات النص الذي يلزم بالاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية أسوة بالدول الأخرى حتى العربية منها، والتي أجرت استفتاءات مشابهة، مؤكدين على عدم التشاور مع الفعاليات المجتمعية عندما وُضعت المقترحات للتعديلات الدستورية، ومنبهين الى ان لجنة تعديل الدستور غاب عنها اي استاذ جامعي في القانون الدستوري! وأشار المشاركون الى أن التعديلات الدستورية لم تتصدى للاصلاح الاقتصادي وإصلاح الأوضاع المعيشية للمواطنين والوضع الصحي والتأمين الصحي والأوضاع التعليمية وارتفاع رسوم الجامعات، وأنه من المؤمل ان يتبع التعديلات الدستورية تعديلات في القوانين. واختتم ممثلو المجتمع المدني الندوة بالتأكيد على أهمية التركيز على الوعي والثقافة السياسية. وبحسب مديرة معهد بصر لدراسات المجتمع المدني د. مي الطاهر، فإن مشروع "حوار المجتمع المدني حول القوانين المؤقتة" يأتي في مرحلة الاصلاحات التشريعية والقانونية التي ينتهجها الأردن منذ منتصف العام الحالي، ويهدف الى فتح حوار مجتمعي بين أطياف المجتمع المدني حول دستورية القوانين ومصائر القوانين المؤقتة التي عددها بالمئات، كون المجتمع المدني يمثل الأساس الذي ينبغي ان يلعب دور المراقب على السلطات الثلاث، والراصد لآليات تطبيق القوانين وتجاوزاتها وانتهاكاتها، ابتداء من عملية إقرار القوانين ومساءلة مدى شرعية ودستورية القوانين السارية. وأضافت الطاهر ان المعهد عقد اول جولاته في محافظة الكرك، ثم في إربد، وسينتقل في الأسابيع القليلة القادمة الى عمان، بهدف تسليط الضوء على هذه القوانين وتثقيف المشاركين حول التقدم بحجج قانونية قوية في مساءلتهم عن مشروعية القوانين النافذة. وستتبع هذه الندوات عقد سلسلة من ورش العمل المتخصصة، التي ستتناول القوانين المؤقتة ذات الصلة بعمل منظمات المجتمع المدني، ليتم تقديم المقترحات والتوصيات بشأنها، والخروج بصيغ معدلة لهذه القوانين، ترفع الى الجهات المعنية وإلى صناع القرار في مؤتمر وطني.