أمريكا: المخرج في تشرين الثاني المقبل
هذا هو الاستثمار الأمثل للأحداث الحالية والذي أشار إليه شقيق الضحية فلويد عندما خاطب المحتجين طالبا منهم الابتعاد عن أي أعمال عنف وتخريب والتركيز في المقابل على الموعد الانتخابي المقبل كوسيلة سلمية وحضارية لوضع حد للسياسات القائمة.
صحيح أن أحداث عنف مماثلة جرت في السابق في عهد أوباما ومن سبقوه لكنها كانت تجد دائما في البيت الأبيض من يحاول استيعاب الغاضبين وتخفيف غلوائهم، وليس رئيسا يتوعدهم بمزيد استعمال القوة ويصف ما يجري بالإرهاب الداخلي ويهدد بإنزال الجيش متهما حكام الولايات بالضعف لأنهم لم يبدوا الحزم اللازم في مواجهة المتظاهرين.
وللدفع في اتجاه أن تكون الانتخابات المحطة الحقيقية ولوضع حد لما يجري والانتقال إلى مرحلة أخرى، دعا الرئيس السابق باراك أوباما، الذي يُسبب مجرد ذكر اسمه حساسية كبرى لدى ترامب، إلى تحويل ما سماه الغضب المبرر إلى عمل سلمي ومستدام وفعال، عبر ترجمة الوعي الحالي بزيادة المشاركة في الانتخابات، وانتخاب مسؤولين يستجيبون للمطالب.
ما سبق يجب ألا يحجب أن ما يحصل الآن هو نتيجة تراكمات قديمة، حتى وإن ساهمت تصرفات ترامب في مزيد تأجيجها. حتى أوباما نفسه، الرئيس الأمريكي الوحيد من أصول افريقية، لم يجد بُدًّا من الاعتراف أن الاحتجاجات جاءت رداً على قضايا عالقة منذ فترة طويلة، وبأنها تعبير عن إحباط حقيقي إزاء الفشل المستمر على مدى عقود لإصلاح ممارسات الشرطة، ونظام العدالة الجنائية، مشيرا بالخصوص إلى الحاجة إلى الاعتراف بـالدور الذي تلعبه العنصرية في تآكل المجتمع.
ورغم كل ما يمكن أن يقال عن صلابة النظام السياسي الأمريكي وعراقة مؤسساته إلا أن ذلك يجب ألا يحجب مخاطر خروج المواجهات الحالية عن السيطرة خاصة أنها تأتي على خلفية أزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا وما خلفته من طوابير عاطلين وخوف على المستقبل. هذه المخاطر ليست افتراضية بل حقيقية فعلا في ضوء المؤشرات الأولى باطلاق الرصاص المطاطي على المتظاهرين وسقوط بعض القتلى وأيضا إطلاق الرصاص على شرطي في لاس فيغاس وقتله مع جرح آخرين.
استمرار المظاهرات يغذي عجرفة ترامب وهذه الأخيرة تغذي بدورها المظاهرات، وقد تتعقد هذه الحلقة أكثر فأكثر في الأسابيع المقبلة، مع ضرورة الانتباه إلى أن الرئيس الأمريكي ليس وحده في هذه المواجهة فإلى جانبه يقف الحزب الجمهوري بممثليه في الكونغرس ومجلس النواب، وكذلك شرائح من المجتمع الأمريكي تراه المدافع عن الأمن والاستقرار في مواجهة مجموعة من «الرعاع» الذين لا سبيل لردعهم إلا بالقوة وبلا رحمة.
لقد برهنت الأحداث الأخيرة أن هناك شرخا يزداد اتساعا عموديا وأفقيا، بين قطاع من الناس والمؤسسة الحاكمة، وبين السياسيين أنفسهم والشعب نفسه. ومع أن الذين يلومون ترامب من الديمقراطيين لم يعالجوا إبان فترات حكمهم الكثير من المشاكل التي يثيرونها الآن، إلا أن ذلك لا يمنع من النظر إلى الانتخابات المقبلة، التي قال الرئيس نفسه إنه يتطلع إليها ومتأكد من الفوز بها، على أنها قد تكون بداية المراجعة الجادة أو بالعكس تكون استمرارا لنفس سياسات الهروب إلى الأمام وترحيل الأزمات الكبرى.