هناك تساؤلات تتنزل على رؤوس الناس، دون إجابات محددة، وتتعلق بعدة ملفات، جميعها ملفات مالية، في هذا التوقيت الحساس، وبما يفرض تغييرا على كامل وزراء الفريق الاقتصادي في حكومة الرزاز، وهو فريق قام بجدولة المشاكل، ولم يحلها جذريا، مهما حاول الاحتفاء بحلوله والترويج لذلك، بطريقة احتفالية، ليس هذا أوانها، أساسا.
أول هذه الملفات يتعلق بمضمون كتاب رئيس الوزراء لوزير الإدارة المحلية، رئيس اللجنة الوزارية العليا المشكلة لإعادة هيكلة الجهاز الحكومي وليد المصري، لدراسة إحالة الموظفين الخاضعين لأحكام قانون الضمان الاجتماعي ممن بلغت خدماتهم ثمانية وعشرين عاما فأكثر إلى التقاعد، وهذا مؤشر على أن هناك إحالات للتقاعد المبكر، عمّا قريب، على الرغم من أن هذا التوجه يعني نقل مشكلة رواتب هؤلاء، من الخزينة، إلى الضمان الاجتماعي، بما يعنيه ذلك أيضا، من خفض دخولهم بعد التقاعد، وخسارة الضمان لاشتراكاتهم في توقيت قبل الوقت المتوقع، وتزايد التزامات الضمان الاجتماعي.
نريد من الحكومة رقما محددا لمن ينطبق عليهم القرار، وتبريرا واضحا لسبب هذا التوجه، خصوصا، ان الحكومة كانت قد فكرت سابقا بإحالة كل من خدم خمسة وعشرين عاما للتقاعد، إلا أنها تراجعت قبل قصة كورونا، وأحالت كل من خدم ثلاثين عاما، وبرغم اعتراضات الموظفين، الا ان أحدا لم يأبه بهم، ربما بسبب الالتزامات على الخزينة، من جهة، فوق ان أصواتا كثيرة رحبت للأسف بقرار الإحالة للتقاعد، ظنا منها، أن منتظري الوظائف سوف يعينون، وهذا غير صحيح، في ظل رواية الحكومة التي تتحدث عن ضخامة الجهاز الحكومي، والحاجة إلى ترشيقه، فيما يردّ المحالون للتقاعد بالكلام عن الإضرار في دخولهم، والتزامات الحياة التي على كاهلهم، فوق أن سوق العمل لا فرص فيه، بسبب المتعطلين عن العمل، والعائدين قريبا من الخارج، والذين أصبحوا مؤخرا بلا عمل داخل الأردن.
الملف الثاني يرتبط بأكثر من أحد عشر ألف شخص تم إطلاق سراحهم على خلفية قضايا مالية، فما هو مصيرهم الآن، وهل سيتم الطلب منهم العودة إلى السجون، أم أن قضاياهم سوف تتجدد قانونيا، أو سيتم التعميم عليهم عبر التنفيذ القضائي، وهذا الرقم ليس سهلا، يضاف إليه أعداد كبيرة من المطلوبين أساسا على خلفية قضايا مالية، والمؤكد هنا، أننا سنشهد قريبا حالات أكثر في القضاء، بسبب رفع الدعاوى القضائية، على خلفية حقوق مالية غير مدفوعة، مثل الإيجارات والقضايا العمالية، وغير ذلك؟ وهذا يعني أن الشهور الثلاثة المقبلة، ستشهد تركيزا على القضايا المالية، إضافة الى قضايا المتعثرين أساسا، والهاربين خارج الأردن، والذي يتأمل تفاصيل هذا الملف، يجده معقدا جدا، ولا حلول فيه، سوى ترحيل المشاكل، دون حلول جذرية، وسيزيد من حدة هذا الملف عودة الإجراءات القديمة الى فاعليتها على صعيد الشيكات المرتجعة، إذ وفقا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي الأردني، الإثنين، بلغت قيمة الشيكات المرتجعة حتى نهاية كانون الأول العام الماضي مليارا وخمسمائة وسبعين مليون دينار أردني، الرقم مذهل بحق، ويتوقع أن يرتفع من حيث النسبة خلال الفترة المقبلة، بسبب أضرار القطاع الخاص، أو أضرار الأفراد الذين وثقوا التزاماتهم بشيكات.
الملف الثالث يتعلق بتوصيات مجلس الأعيان للحكومة، على الصعيد الاقتصادي، ومن بينها، وضع آلية لتحصيل ضريبة الدخل عن العام 2019، والتأكد من وجود آلية لتحصيل الرسوم الجمركية، وإعادة هيكلة الموازنة العامة، وما هو البرنامج الحكومي، الذي ستتبناه الحكومة لتحويل هذه التوصيات إلى واقع، خصوصا، إن الذي يستمع لرأي القطاعات المختلفة، يكتشف رواية ثانية عن أوضاعها، تصل إلى حد التشكيك بقدرة كثيرين على دفع ضرائب العام الماضي، مثلا، ولا أحد يعرف إذا كان هذا دليلا على تراجع أحوال هذه القطاعات حقا، أم أنها فرصة كورونا التي يريد البعض استثمارها واستغلالها بشكل جائر؟
نحن بحاجة إلى خطة اقتصادية من نوع مختلف تماما، لمعالجة كل ما سبق، وهي خطة لا يصح لمن طبّق وصفة الشهور الثلاثة الماضية، أن يضع لاحقتها، بعد أن ثبت أن هناك ثغرات كثيرة، تقول إننا بحاجة إلى فريق مختلف، يضع حلولا غير تلك الاعتيادية القائمة على القروض، والإحالات للتقاعد، وتعزيز عمليات الجباية المالية بكل الوسائل التي خبرناها.