مملكة الخوف يا عـون!

من نقطة ترقى إلى درجة التأزيم في المعادلة الأردنية البراغماتية وفي ظل ربيع عربي عاصف ينثر حممه كطوفان مجهول المدى على فسيفسائية الوطن المُحتقن أصلاً بنير البطالة والفقر والجوع المرعب الذي إجتاح مملكة خوف مطوي تأتي حكومة الدكتور عون الخصاونة حاملة أجندة ليست باليسيرة لتنثر أوراقها في سفر المجهول فهل سيأتي الأمان يا أردنيين؟ جاءت الحكومات السابقة بسرب من الوعود الممزوجة بإنجازات إعجازية وقيل فيها ما قاله مالك في الخمر وفي الواقع إستمرت المعاناة لشعب أردني بأكمله إستُنزفت طاقاته ونُهبت حتى أحلامه وهُجِّرت وهُمشت لا بل سُحقت كفاءاته لإظهار وتلميع حفنة من مسؤولين بلا موروث حضاري ولا هوية وفي تغييب واضح وعلى الأشهاد للنُخب الثقافية والسياسية والعلمية والأهم من هذا وذاك كان العنوان دائما وطنٌ بلا حتى مسؤولية وطنية! سنفتح سرداباً وملامحاً من فصول روايتنا الأردنية الحزينة بدايتها قمع الطموح ونهايتها إنعدام الأمن الإجتماعي في مملكة الخوف، ما الذي أوصلنا لهذا المصير؟ وما العلاج؟ وأين الرؤية؟ لطالما كان التشكيل الحكومي الأردني يُغلِّب للأسف المصالح الخاصة على العامة ويُغذِّي مبداء الشللية والمحاصصة في المناصب والتوريث فيأتي المسؤول كنبت شيطاني هجين في حقول أُردنية يجهل معانيها وبواديها، تاريخها النابض وحتى أمانيها، فرأينا ما رأينا من برامج إقتصادية وخطط تنموية كانت نتائجها وبالاً على الأردن بأسره، ولم نرى رئيسا للوزراء يحمل خططا تنفيذية فعلية للخروج بالأردن من عنق الزجاجة لتحقيق حتى المستوى المقبول من التنمية الإقتصادية وربطها بالواقع المعيشي للمجتمع المقتول أصلاً بالوعود! أجــهــلُ وربــمــا أنني حــالــمٌ لــكـــن فــعـــلا أســـتــغــرب ســبــب تــجــاهـــل مــعــظــــم الـــحــكــومــات لإطـــلاق خـــطـــــط تــــشــغــــيــلــيــة وإتــفــاقــيــات تــجــارة حـــرة (Operating Master Plans- Free Trade Agreements) مع دول العالم كافة وذلك لتفعيل تبادل الخبرات الأردنية وخاصة في المجال القانوني المحترف والمجالات الإقتصادية والزراعية والصناعية وفي جميع المجالات وليس مع الدول العربية فقط بل مع الدول الأوروبية ككل فلا يُعقل لدولة مثل تونس مثلاً وأغلب الدول المغاربية أن تكون لديها إتفاقيات حكومية متقدمة مع معظم الدول الأوروبية لتبادل وتنشيط إستيعاب الخبرات التونسية والمغاربية في كل المجالات وفي المقابل نرى في الأردن للأسف برغم التفوق في الخبرات لايحرك أحد ساكناً في الجهاز الحكومي لإحداث ثورة إستقطاب مُمنهج لعقد مثل هذه الإتفاقيات لا عربياً ولا دولياً وماهي إلا خطوات حكومية خجولة وعلى إستحياء والسبب طبعاً واضح وهو وضع المسؤول غير المناسب في المكان غير المناسب أصلاً ومما يبعث الأسى أن معادلة الإنجاز للمسؤول قد أضحت فقط هي الأجندة الخاصة وفي غياب صارخٍ لتنفيذ أجندة الوطن! أين الجهد الحكومي الأردني يا أصحاب القرار في الترويج السياحي، وجذب الإستثمار، وإحتواء الطاقات الأردنية الخلابة في مشاريع ترفد الخزينة العاجزة أصلا بسبب رفاه المسؤول الأردني في حِلهِ وترحاله ومخصصاته وأحلامه المغتربة وقمعه لكل مخلص مُحترف في عمله فضلاً عن إعتزازه المعهود بحرق كفاءات الوطن وتغييبها حتى عن الوجود لتأتي الدراسات الإقتصادية منذرةً بكل أسف عن إحتمالات إفلاس الموازنة العامة الأردنية عام 2015! هل قدرُنا أن نعتمد على المنح والمساعدات العربية والدولية والتي تذهب دائماً للمجهول؟ أقدرنا وقدر جيلنا أن ينتحب على جدار الوطن المنهوب؟ مخجل جدا يا سادة القرار أن تكون رحلة سياحية لمدينة كشرم الشيخ في مصر مثلا تكلفتها لاتزيد عن مائتي دينار أردني وفي المقابل رحلة ليوم واحد في البحر الميت أو في مدينة العقبة للسائح الأردني أصبحت كحلم لأن التكلفة أضعاف أضعاف هذا المبلغ كيف لا وهذا بفضل سياسات وخطط الترويج والإستقطاب السياحي الأردني في المحافل الدولية وفي إحتلال صارخ للسلطة والمسؤولية لرموز قادمة مغادرة قادمة حتى الممات! أين تفعيل مدن التجارة الحرة (Free Trade Zones) وأين النُخب الشابة الخبيرة برسم الخطط الإستراتيجية التشغيلية لكافة المشاريع العملاقة داخل هذه المدن بدءاً من تأسيسها مروراً بعقودها التشغيلية وحماية الجوانب البيئية وإنتهاءاً بتصميم نظم العمالة فيها كما هو معمول به في دولة الإمارات مثلاً وليس كتجربة المناطق التنموية التي للأسف لم تُفعّل كما رُسم لها فضلا عن أن التوظيف بها أضحى لطبقة معينة تخضع لإعتبارات أنتم يا أردنيين أعلمُ بها! وغاية القول أن مثل هذه المدن يمكن أن تستقطب الإستثمار الأكاديمي والبحثي أيضاً فضلاً عن إمكانية فتح فروع للجامعات العالمية والشركات والمصانع وكل بوادر الحضارة وبإمتيازات تفضيلية بعائد خيالي في الأرباح وكل ذلك يأتي أيضاً بإذكاء تقني لإستخدام الكفاءات الأردنية الخلاقة والتي للأسف تم حرقها وتهميشها في الجهاز الحكومي أو تهجيرها قسراً نظراً لممارسات مسؤولي الصف الأول خوفاً من بروز إنجازات هذه الكفاءات وذيوع صيتها فالمطلوب يا سادة ثورة إقتصادية بثمار تأتي أُكلها حتى في النظم الوظيفية الحكومية التي للأسف تحمي المسؤول وتشجعه على إهدار كفاءات جيل هادرٍ من الشباب الخلاّق فكفى كفى كفى فالإصلاح الحقيقي مطلوب يا دولة الرئيس! أين مفاهيم الحلقات الخلاّقة أو الفرق الخلاّقة في الجهاز الحكومي الأردني (Creative Cycles - Creative Teams) أي بث وحفز كل الطاقات المميزة في الجهاز الحكومي ومنحها حرية الإبداع والإبتكار في التطوير وفي كل المجالات ضمن نظم تحمي إبتكارهم وإيصال أفكارهم الخلاقة للرئيس مباشرة ودون عصا المسؤول المسكون بوهم السلطة والتدرج الوظيفي المستغل حُكما بقتل الطاقات والإبداع، بلدنا مُستنزف وشبابنا مقتول على أرصفة البطالة ألا يكفي هذا! الجُعبة مليئة بالأشواك والآلام ووطن يئنُ من عتمة الحريات، بالأمس جاءت سلحوب لتشهد على بساطِ أُردننا الحزين، وهناك مواطنٌ ينتفض من رُعب المخافر، والموت الأنيق (البطالة)، وإعتقال الحرف، والعنف المجتمعي، والفساد وتغييب النُخب والكفاءات، وهناك مشهدٌ سياسي بلا أمان أمني ولا ملامح و و و و ماذا أقول للوطن؟ نعم لقد أطلنا الجلوس في الغروب ومخاضنا طويل عسير فهل يأتي الشروق؟ الأمان المجتمعي نعم الأمان وبث حزمة من المشاريع التنفيذية الواضحة لإحتواء ما بقي من طاقات وترك سياسات الباب المغلق المعروف وتفعيل المشاركة السياسية للنُخب الشابة دون هاجس من التدخلات الأمنية حتى في لقمة العيش فإقتصادنا وحرياتنا مريضة يا رئيس وآن وقت إطلاقها وعلاجها، ولسنا بخير ما دام الوطن بأيدي قلة ناهبة فالأردن للجميع وشباب خلاّق نزيه أبقى من مسؤول مُغتصب للوطن! جاءت لحظة الحقيقة والمكاشفة، وجاء سفر العدالة ليرسم أبجدية الرُقي الأخلاقي أولاً، والتفاعل مع العالم الخارجي لمصلحة الأردن وشبابه وأرضه وسمائه ثانياً، نُريدُ النزاهة المفتقدة ونُريدُ الضمير المسلوب، فعملاق التغيير قادم إن أسأنا التقدير، نريد الأمان الأمان الأمان في خبزنا وحرفنا وحياتنا ونهارنا وليلنا، نعم سئمنا من التصفيق، المجاملة، والتلفيق فالألم فاضحٌ والطريق قريب قريب.. لا ديمقراطية مطلقة في أبجديات العمل السياسي ولِسرب البُشرى الكلُ طامحين، فما بين سندان القضاء ومطرقة التنفيذ صدحت مملكة الخوف يا عون! بقلم الكاتب والمفكر: يزيد الراشـد الخزاعي. vipyazeed@gmail.com