عون الخصاونة.. التفاؤل في مرحلة الزوايا الحادة

يأتي تكليف القاضي الدولي عون الخصاونة في مرحلة مفصلية من تاريخ الأردن السياسي، هذا التكليف لم يكن قبل أيام فقط كما ظهر للعلن، بل تؤكد المعلومات أنه تم في النصف الثاني من شهر أيلول الماضي، حيث تم منح القاضي عون الخصاونة الفترة اللازمة لإنهاء الإجراءات الإدارية والقانونية المتعلقة بتركه وظيفته كقاضٍ في محكومة العدل الدولية، وبالتالي فإن اختياره جاء بعد دراسة متأنية من صاحب القرار، وإن تم اختيار لحظة التكليف بعد ارتفاع سقف الشعارات في الشارع وبعد تقدم 69 نائباً بمذكرة لجلالة الملك تشير إلى وضع مأزوم تجاه حكومة الدكتور معروف البخيت.
قدوم عون الخصاونة لتشكيل الحكومة في هذه المرحلة له دلالات إيجابية في مجموعها، أبرزها أن النخب الأردنية مازالت قادرة على إفراز شخصيات سياسية نقية من الفساد والمحسوبية، وأن الأردنيين يملكون شخصيات توافقية تستطيع الحضور بقوة في المراحل الفاصلة، والأهم أن الدولة الأردنية أثبتت مرة أخرى قدرتها على الرؤية من خلال (غبار المرحلة) ولم تستغرقها مرحلة إدارة الأزمات بل تعدتها إلى مرحلة الخروج من الأزمة، أما ما يمكن اعتباره الفكرة الأيقونية لهذه المرحلة فهو أن جلالة الملك كان الوحيد القادر على تقديم حل تقدمي ومنهجي في هذه المرحلة، فمؤسسة العرش لم تكن يوماً مأزومة، مما أتاح لجلالته قراءة المرحلة بصورة صحيحة والخروج من العواصف الداخلية والخارجية المحيطة بنا بلا خسائر تذكر ومن دون أي عطب حقيقي في الدولة.
إلا أن الافراط بالتفاؤل ليس حالة صحيحة أو صحية في هذا الوقت، فالمؤشرات الإيجابية لقدوم الخصاونة رئيساً للوزراء على أهميتها إلا أنها تواجه اختبارات جدية منذ اللحظة الأولى، أبرز هذه الاختبارات قدرة الرئيس على تشكيل فريق وزاري متناغم ومتوازن قادر على حمل أعباء المرحلة بملفاتها المرهقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فعلى الرئيس أن يدرك أن العمل على استعادة المواطن لثقته بالدولة ومؤسساتها مفتاح رئيس للنجاح في المرحلة القادمة، ومن هنا عليه أن يكون حذراً من الحصول على نسبة عالية عند التصويت على منح حكومته الثقة، فحصوله على 70-80 صوتا بالثقة يشكل ضمانة له أكثر من حصوله على 100 صوت يمنحون الثقة، لأن عليه أن يساعد مؤسسة البرلمان على استعادة دورها وهيبتها، لأن برلماناً قوياً سيساعد على إكساب القوانين السياسية الصادرة عنه ثقة شعبية ضرورية.
كما أن على الرئيس الخصاونة أن يتعاطى مع الأحزاب والحركات السياسية ومجموع قوى (الرافضة) بطريقة مدروسة، بحيث يحل حالة التأزيم التي تمر بها هذه القوى وتحاول عكسها على المشهد العام ولكن من دون أن تجني هذه (الرافضة) مكاسب غير مبررة ولا تستحقها، لأن ذلك يشكل مدخلاً لزقاق ضيق سياسياً، فالدولة الأردنية لا يجب ان لا تكون مرهونة لشعارات شعبوية في الوقت الذي تفتح ذراعيها لجميع أولادها، وهو ما يترافق بضرورة عدم استخدام إحدى القوى السياسية ضد أخرى، لأن كلفة ذلك عالية والخسائر التي قد تلحق بالدولة فادحة.
كما أن على الرئيس أن يدرك أن مقاربة الملف الاقتصادي يجب أن تتم وفق المنهج الاجتماعي السياسي، بحيث يتم مقاربة هذا الملف اجتماعياً على المستوى الداخلي وسياسياً على المستوى الخارجي، لأن فائض القيمة الاجتماعية للدولة داخلياً هو ما سيساعد على تقليص بؤر الاشتباك والتوتر، وفائض القيمة السياسية للأردن خارجياً هو الذي سيجد موارد وبدائل مالية متاحة.
ثمة العديد من الملفات الأخرى المهمة كالبلديات والإعلام وغيرهما سأناقشها في مقالات لاحقة، ولكن اعلم يا دولة الرئيس أن الكثير من الأردنيين، وأنا واحد منهم، لا نجد شخصاً أكثر ملاءمة منك ليكون في منصب رئيس الحكومة، ونأمل أن تصبح مرحلتك علامة مرجعية يؤشر لها بالبنان، لأن هذه المرحلة لا تتحمل الخطأ، فإن الفشل فيها يفتح الباب على مصراعيه على احتمالات برسم القلق.