أحلام التميمي : اعتقلت أثناء عزاء والدتي بصورة أقرب للخطف وتعرضت لتعذيب جسدي ونفسي

«الأسوَد يصلح ذريعة لكل شيء.. فهو لون أساسي في كل خدعة»، لذلك اختارته اسرائيل أساسا لمحاولة تدمير نفسية الاسيرة أحلام التميمي، عندما ألقوا بها في غرفة مغلقة لا ترى فيها سوى اللون الاسود، وعاشت (40) يوما أمام مساحة لا يطل فيها سوى ضوء عتمتها.

لم تكن الغرفة المغلقة المعتمة التي شبهتها أحلام بالقبر، وسيلة التعذيب الوحيدة التي تلقتها على ايدي سلطات الاحتلال خلال فترة التحقيق وسنوات الاعتقال العشر، بل تعرضت للكثير من أساليب التعذيب النفسي والجسدي، لتخرج من كل هذه العتمة أكثر قوة وإصرارا على الحياة والاستمرار نحو دنيا مختلفة بكل تفاصيلها، تتحدث عنها أحلام بأنها ستكون فيها سيدة بيت وتتزوج وتكمل دراستها الجامعية.

لوّنت صفقة تبادل الاسرى بين حماس واسرائيل لوحة حياة أحلام، لتبدو خالية تماما من اللون الاسود الذي أصرت إسرائيل على تلوين حياتها به كاملة، لتعيش خدعة الانتصار على «الاحلام»، ومسح ماضيها ومستقبلها، فخرجت أحلام منتزعة حريتها من أحكام (16) مؤبدا، أضيف لها سنة قبل قرار الافراج عنها بأسابيع كعقاب لها لمشاجرة وقعت بينها وبين إحدى المجندات الإسرائيليات، فبدت لوحة حياتها اليوم تحتضن كل ألوان الحياة الوردية.

] عمان - الدستور - أجرت الحوار: نيفين عبدالهادي

«الدستور» وكما كانت مع قضية أحلام منذ البدء، وبعد قرار شمولها بصفقة تبادل الاسرى، ولحظة وصولها أرض الوطن - كانت معها أمس في منزل شقيقها فخر.. تقاسمنا معها روزنامة التفاصيل المزعجة في أيام مضت قضتها خلف قضبان الاعتقال، كما عشنا معها استعداداتها لغد لا ترى فيه سوى الفرح بوجودها بين أفراد أسرتها من جديد، وخطط تقودها نحو الافضل مهنيا وأسريا.

أحلام اعتبرت - في حوارها الشامل مع «الدستور» - أن ما مضى من عمرها هو «الوقت المجمّد» الذي ستتجاوزه حتما بسلبياته وإيجابياته، وهي اليوم لا ترى سوى اللون الابيض يزين حاضرها ومستقبلها، ولا تعرف في أبجدية يومها سوى ثقافة الفرح التي طالما بحثت عنها، فهي اليوم أكثر إيمانا بالله، وأكثر قربا منه عز وجل، وأكثر إصرارا على تحقيق الافضل لها ولاسرتها.

وشددت أحلام على أهمية الدور الكبير الذي قدمته الحكومة، وتحديدا وزارة الخارجية بوصولها سالمة أمس الاول الى أرض الوطن، وتحديدا في مسألة التسهيلات لسفرها من مصر الى المملكة، والترتيبات الرسمية التي أعدت لهذه الغاية، والتي أشعرتها بأنها اقتربت كثيرا من أفراد أسرتها وعائلاتها منذ لحظة تعاملها مع موظفي السفارة الاردنية في مصر.

لا يمكن اختصار تفاصيل عشرة أعوام من الاعتقال، ووصف القيام بعملية فدائية، ومراحل تحقيق طويلة، واستعدادات للافراج واستقبال الحرية دون سابق إنذار.. كلها أمور يصعب وصفها بعجالة، وقد وجدنا أنفسنا أمام فوضى، لكنها «فوضى الدقة» عندما تكون محدثتنا أحلام التميمي، الاسيرة المحررة التي لم تر الشارع ولم تنظر من النافذة لرؤية أية تفاصيل خارج منزل شقيقها، واكتفت في أول يوم حرية لها أن ترى عالمها الأسري وأفراد عائلتها فقط، وتعيش معهم حياة رأت في عودتها لها معجزة.

أحلام قبل الاعتقال

الدستور: نحن أمام بطلة تحدث عنها العالم، وسمعنا عنها في وكالات الانباء المختلفة منذ أكثر من عشر سنين، وكلنا فضول أن نعرف عنك المزيد.. من هي أحلام التميمي؟

أحلام: أنا فتاة عادية عشت وتربيت في أسرة متواضعة، لكنها أسرة تعرف جيدا كيف تنشئ جيلا مختلفا قادرا على العطاء، وتقديم الافضل للوطن والاسرة والمجتمع، فكنت أنا الانسانة التي قدمت نفسها لقضية آمنت بها وبعدالتها.

حرصت أسرتي دوما على التركيز على تمتين ثقافتنا الدينية، التي اعتبر أنها زادت وتعمقت خلال سنوات اعتقالي. كما سعت أسرتي على تعزيز حب الارض والوطن وعمل الخير.

الدستور: لنعد بالتاريخ الى الوراء، ما قبل العام 2000، كيف كانت أحلام، وأين كنت، كيف قررت تغيير مسار حياتك؟

أحلام: لا يمكن هنا أن أغفل دور والدي ووالدتي بتعميق الحس الوطني في نفسي، حيث زرعا في الاتجاه الديني بشكل بسيط وتقليدي وليس بتزمت، فكان لكل ذلك أثر بتعميق فكرة العطاء الوطني لدرجة الجهاد، وعليه، فقد سعيت لتعزيز ذلك عمليا.

بعد انتهاء دراسة التوجيهي، قررت أن أدرس في جامعة بير زيت بتخصص «صحافة وإعلام»، وتحديدا الصحافة المكتوبة، وبالفعل دخلت الجامعة وبدأت أتعامل مع شخصيات مختلفة ومتنوعة، وما من شك أن الجامعة صقلت شخصيتي باتجاهات مختلفة عن تلك التي كنت أعيشها.

الجامعة في فلسطين عالم خاص، منها تتفجر الثورات والانتفاضات، لأنها مركز الشباب، وبطبيعة الحال فاختياري للصحافة أيضا غيّر من شكل حياتي بشكل كامل، وقد اخترتها متعمدة كونها الاقرب للحدث، وشاهدت الكثير من الوقائع التي بدلت مفاهيمي للحياة، لا سيما أني شاهدت طفلا يقتل أمامي وامرأة.. كلها أمور كان لا بد من تغطيتها عن قرب، فكانت كل هذه الظروف تدفع باتجاه تغييرات جذرية في حياتي.

وبالفعل فان أحلام ما قبل العام 2000 تختلف تماما عن الفترة التي تلت ذلك، وهي حتما أفضل وأكثر حضورا، وتفوقا حتى على ذاتها.

الخروج عن المألوف

الدستور: دخلت عالم الصحافة قبل تخرجك من الجامعة، وعملت في الصحافة المكتوبة ومن ثم في إحدى محطات التلفزة، هل لنا أن نعرف تفاصيل عن هذه المرحلة؟

أحلام: بالفعل، كنت أدرس بالجامعة وأعمل بالتزامن، ففي بداياتي عملت في مجلة «الميلاد»، وهي متخصصة بالتحقيقات الصحفية، قطاع المؤسسات، بقيت بها سنة ونصف السنة، وبعد ذلك توجهت للاعلام المرئي، وعملت في محطة فلسطينية محلية تغطي قطاع رام الله ومناطق بسيطة، حيث قدمت من خلالها برنامجا إخباريا أسبوعيا تغطية لاحداث الاسبوع بعنوان «حصاد الاسبوع».

وجاء مبدأ عملي قبل تخرجي انطلاقا من ايماني بأهمية هذه المهنة، وحساسيتها، ولأكون أكثر قربا من الحدث، وتسخير ما أدرسه لصالح القضايا التي أؤمن بها.

الدستور: سارت أيام الدراسة الجامعية وحتى أيام عملك أثناء ذلك، الى أن وصلت للسنة الجامعية الثالثة، كيف بدأت مرحلة تحولك والتفكير بما أقدمت عليه في العملية الفدائية؟

أحلام: مع السنة الثالثة كانت قد بدأت انتفاضة الاقصى، العام 2000 في شهر أيلول، ومع هذه الانتفاضة، وبوجود خلفية لديّ في العمل الفدائي، وكون الانتفاضة بدأت بكتل شبابية وتجمعات نحو مسيرات يومية واشتباكات على الحواجز الامنية الاسرائيلية، ومع قوة مبدأ الدين في نفوسنا، كل ذلك كان يقودنا الى أن نضع خطواتنا على الطريق الصحيح، ليبقى قرار النضال متروكا لاختيارات الاشخاص.

وجدت نفسي أمام حالة علي أن أختار فيها ماذا أريد وكيف أعبر عن قناعاتي، وهذا الامر بالطبع متوقف على قدرة الشخص، فكان من الممكن أن أكتفي بمساعدة أسر الشهداء، أو القيام بأي مهام أخرى، لكني كنت أجد نفسي دوما غير مكتفية بما أقدمه لفلسطين وللقضايا الوطنية بشكل عام، حتى لديني ولربي، ووصلت الى حالة من عدم الرضا عن كل ما أقدمه.

وما من شك أن حالة عدم الرضا التي كنت أعيشها أوصلتني الى ضرورة الخروج عن المألوف في مثل هذه الاعمال.

تفاصيل العملية الفدائية

الدستور: كنت الشخص الذي سهّل واختار موقع العملية الفدائية في القدس. الفضول ينتابنا جميعا لنعرف بماذا كنت تفكرين وأنت تقومين بهذه الخطوة، كيف أقدمت على ذلك؟

أحلام: القدس عند دخولها تحيط بها هالة مختلفة، فهي مسرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالاقصى بقعة مباركة، وقد دعوت الله أن يرشدني لما هو أفضل، وبطبيعة الحال فإن ما قمت به كان لا شيء مقابل ما أقدم عليه عز الدين المصري (20 عاما) الذي قام بالعملية الاستشهادية، فكان عملي قزما مقابل ذلك.

رؤيتي لعز الدين، وقوة إيماني، وكل ذلك يشعر المرء بالاطمئنان وبقوة يصعب وصفها، فعلاقة المرء بربه تهبك هدوءا كبيرا، أوصلني الى أن أقوم بالعملية دون خوف أو قلق.

الدستور: هل شاهدت عز الدين وهو يقوم بالعملية الاستشهادية ويفجّر نفسه، أم غادرت الموقع بمجرد انتهاء دورك بالترتيبات المسبقة للعملية؟

أحلام: أنا حددت الموقع فقط، وقدمت التسهيلات، لكن نهاية الموضوع كانت عنده، وبمجرد انتهاء الترتيبات غادرت الموقع، وكان قراره بتنفيذ العملية الاستشهادية، لكني لم أشهد آلية التنفيذ والنتائج، كوني غادرت الموقع فور إنهاء ترتيباتي.

اعتقال أقرب إلى الخطف

الدستور: كيف تم اعتقالك بعد تنفيذ العملية؟

أحلام: تم اعتقالي عن طريق نوع من أنواع الاعتقالات يدعى «الاعتقال البيتي»، وقد تم اعتقالي من المنزل، حيث كان عزاء والدتي التي توفيت آنذاك، فاقتحمت قوات الاحتلال بيت العزاء واعتقلتني، وكنت في تلك الفترة أعاني من وضع نفسي سيئ جدا نظرا لوفاة والدتي، واستشهاد عز الدين.

الاعتقال البيتي كان الساعة الثالثة صباحا، بعد مرور شهر ونصف على العملية، حيث اقتحموا المنزل بشكل مفاجئ، وكل أهل القرية كانوا نياما، وتم ذلك عن طريق المجنزرات العسكرية وقوة كبيرة من الجيش، حيث تم حصري في زاوية وربط يدي وقدمي، وتكميم فمي، وإغماض عيني، دون مراعاة لخصوصية منزلي وظروفي ووضع أبي الكبير بالسن ووضعه الصحي، وقد تم اعتقالي بصورة أقرب الى الخطف.

وما من شك أن تلك الليلة ما تزال حتى الان في ذاكرتي، فهم بعيدون كل البعد عن أية إجراءات إنسانية، حيث كانت تصرفاتهم وحشية الى أقصى درجة.

تعذيب نفسي وجسدي

الدستور: بعد الاعتقال، كيف كانت مرحلة التحقيق، وهل تعرضت لأساليب تعذيب جسدية أو نفسية؟

أحلام: استمر التحقيق لمدة (43) يوما، كانت من أقسى الفترات التي مرت علي، وكان منها 40 يوما من التحقيق المتواصل دون انقطاع ليلا نهارا، لمعرفة المعلومات التي يريدونها، وثلاثة أيام أخذت فيها بعضا من الراحة.

والمعروف في وسائل التعذيب الاسرائيلية أنها تقوم على أسلوبين، أحدهما نفسي والاخر جسدي، ويتم عند التحقيق اختيار أحد الاسلوبين حسب طبيعة الاسير. أنا استخدموا معي كلا الاسلوبين، في الاسلوب الجسدي استخدموا معي أساليب تقليدية لم أتأثر بها بالشكل الكبير الذي توقعوه.

لكن، كان الاسلوب النفسي هو الاكثر إيلاما، في ظل أني كنت أعاني من الاساس من مشاكل نفسية نظرا لوفاة والدتي، واستشهاد عز الدين.

خلال فترة التحقيق وضعوني في زنزانة صغيرة ضيقة جدا هي أشبه بالقبر، يحيط بي اللون الاسود، وهناك من يقيم بها لاكثر من 100 يوم، لكني بقيت بها 40 يوما، وقد صنعت من المكان ومن ضيق مساحته خلوة مع ربي تقربت فيها الى الله، وكنت في حالة أقرب الى «اليوغا» اليابانية، لكنها يوغا إسلامية.

كنت أبكي كثيرا، وأهرب من خوفي ووحدتي بالدموع والبكاء، لكني أصريت أن اكون قوية مستعينة بالله. ناجيت ربي وتحدثت اليه، وخرجت من عتمة المكان الى فسحة الدين والتقرب من الله عز وجل، وشعرت أني قفزت بسنوات عمري عشرات السنين الى الامام.

وما من شك أن قربي من الله عز وجل هو السبب الاساسي في عدم خوفي من أي شيء أو جزعي، او حتى يأسي.

لم تكن هناك حاجة لديهم للضغط علي للحصول على اعترافات، كون زملاء لي تم التحقيق معهم، ونتيجة لاساليب تعذيب وحشية اضطروا للاعتراف علي، بمعنى انهم كانوا يملكون كل أدلة إدانتي، وفي قوانينهم أن اعتراف شخص يدين أي شخص متورط في أية عملية، فسواء أنكرت أو اعترفت، كانت أدلة إدانتي موجودة لديهم.

وأنا أجد لمن اعترف علي عذرا، كونهم تعرضوا لتعذيب كبير جدا، حتى أني عندما شاهدتهم صدمت بمشهدهم والدماء تنزف منهم، وبالتالي كان الافضل أن يعترفوا علي.

وبعد مضي 43 يوما، حولت الى السجن، لكني قضيت تلك الايام في زنزانة صغيرة تحيط بي الجدران السوداء، دون أي نافذة، وهي مبنية تحت الارض وقديمة، وكانت عبارة عن «اسطبلات» أنشئت للدواب والخيول.

خلف القضبان

الدستور: هل يمكننا أن نقرأ بعضا من تفاصيل سنوات اعتقالك؟

أحلام: صدر حكم المؤبد علي العام 2003، أي بعد اعتقالي بقرابة ثلاثة أعوام، وقد جاء الحكم وفق قانونهم بأنه على كل اسرائيلي يقتل يحكم على المتسبب بمؤبد، وقد قتل في العملية (16) اسرائيليا فكان الحكم علي بـ (16) مؤبدا، وكنت مهيأة نفسيا كوني كنت أعرف النتيجة، كما أن أسرتي كانت مهيأة لهذا الحكم كوننا كلنا نعلم بالاجراء القانوني في مثل هذه الحالات.

كانت أيام اعتقالي حافلة بالكثير من المعاناة بكل تفاصيلها، وعلى الرغم من كل ذلك تعلمت الصبر بشكل كبير. تعرضت لاساليب تعذيب مختلفة كان من أكثرها إيلاما العزل الانفرادي الذي تعرضت له كثيرا خلال سنوات الاعتقال.

كنت أقضي وقتي بالقراءة والمطالعة، حيث كانت منظمة الصليب الاحمر تدخل لنا الكتب والصحف، وقد طالبت كثيرا بالصحف الاردنية، لكنهم لم يكونوا يدخلونها إلي.

الدستور: وأنت تتحدثين عن طلبك للصحف الاردنية وعدم إيصالها لك، نصل الى دور السفارة الاردنية في تل أبيب في دعم الاسرى، كيف تصفين لنا دور السفارة في التعامل معك؟

أحلام: عملت السفارة خلال مدة اعتقالي على التواصل معنا من خلال عدة إجراءات، كما قامت بتنظيم زيارة لاهالي الاسرى مرتين.

وتم إعلامنا قبل الافراج عني بأيام أنه سيكون للاسير الاردني قريبا مكالمة هاتفية دورية، وبالطبع فهذه خطوة إيجابية، لا سيما أن هذه المسألة معدومة حاليا، إضافة الى أن الزيارات غير ممكنة للتواصل مع الاهل، فأنا لم ألتق بأسرتي خلال سنوات اعتقالي سوى مرتين.

خارج القضبان

الدستور: كيف بدأت علاقتك بالعالم من حولك بعد عشر سنوات من الاعتقال؟

أحلام: أنا الان أمام جيل كامل من أبناء إخوتي وأخواتي لا أعرفهم، فهم مجرد صور كنت أتلاقاها وأنا في المعتقل. وأنا الآن أتعرف إليهم وأحاول أن أميز بينهم بعلامات معينة، وأن أحفظ أسماءهم.

أنا أعشق الاطفال، وأتمنى لو أجمع أطفال العائلة جميعهم في غرفة واحدة وأبقى معهم ما تبقى من أيام عمري.

الدستور: وماذا عن خطوة خطبتك وأنت في المعتقل؟

أحلام: خطبت إلى شاب يدعى نزار، هو معتقل سبقني في سنوات الاعتقال، فهو معتقل منذ (18) عاما، وسيحضر قريبا الى الاردن حتى نتزوج، ووالدته شهيدة استشهدت برصاص الاحتلال أثناء حضورها جلسات محاكمة ابنها (خطيبي)، حيث أطلقت عليها رصاصة واستشهدت.

لم أضع خاتم الخطوبة في يدي، وقد حدث أن أحضر لي نزار «دبلة» أكثر من مرة، لكن، كانت تتم مصادرتها، وقمنا بعقد القران العام 2005 في المعتقل، من خلال وكالات أعددناها للأهل.

الدستور: هل شاركت في إضراب الاسرى المنفذ في المعتقلات الاسرائيلية؟

أحلام: نعم، شاركت به، لكن ليس بإضراب عام، بل جزئي.

أيام الحرية

الدستور: هل يمكن أن نعرف شيئا من تمنيات أحلام، بماذ تفكرين، وكيف ستبنين حياة جديدة مليئة بالحرية؟

أحلام: أول اهتماماتي أن أكمل تعليمي الجامعي، فقد أنهيت كل مساقات التخصص ولم يبق لي سوى بعض المواد البسيطة في معظمها مواد متطلبات كلية، لكن، كان من ضمن الحكم علي أن أمنع من التعليم ومواصلة سنوات تعليمي.

وبطبيعة الحال سوف أتزوج وأبني بيتي وأسرتي وأنجب أطفالا، فأنا أعشقهم. سأبحث عن الجزء الذي طالما افتقدته في حياتي، جزء الراحة والحرية.

تسهيلات أردنية

الدستور: أمس الاول، كانت رحلة وصولك الطويلة إلى عمان، بعدما تم تنفيذ الصفقة، كيف تمت العملية، وما دور السفارة الاردنية في القاهرة في التسهيلات المقدمة لك؟

أحلام: تم تسليمنا على الجانب المصري، وفور وصولي هناك تم الاتصال ما بين الجهات المصرية الرسمية والقائم بأعمال السفير الاردني الذي تابع مسار وصولي حتى القاهرة.

وعند وصولي القاهرة رافقني موظف من السفارة الاردنية الى المطار وقدم لي التسهيلات اللازمة، وأصدرت لي السفارة وثيقة سفر اضطرارية حتى اتمكن من السفر، ذلك أن جواز سفري منتهي الصلاحية منذ العام 2003 ولم يجدد، نظرا لظروف اعتقالي.

استمر موظف السفارة بمرافقتي، وعند وصولي الى عمان تم استقبالي رسميا واستضافتي في غرفة خاصة الى حين انتهاء إجراءات القدوم، ومن ثم خرجت الى أسرتي، بعد معاملة بخاصة وترتيبات عالية المستوى من قبل الجهات الاردنية.

ولا يسعني هنا إلا أن أثمن الدور الكبير الذي قدم لي خلال اليومين الماضيين من قبل الجهات المختصة، بدءا من التسهيلات وانتهاء بآلية الاستقبال.

استقبال أبكاني فرحا

الدستور: عندما خرجت أمس الاول الى قاعة الاستقبال في مطار الملكة علياء الدولي، كيف كان شعورك وأنت تشاهدين مئات المواطنين يهتفون ببطولاتك، ويرون فيك إنسانة مختلفة؟

أحلام: عندما نزلت من الطائرة وكنت أسير في المطار من الداخل كنت أسمع أصوات الهتافات، لكني لم أحسب للحظة أن هذه الاصوات كانت تهتف لي، وعندما خرجت وشاهدت المنظر لم يكن أبلغ من دموعي لتعبر عن مدى سعادتي وفرحي بما يدور من حولي من تقدير لي، وبصراحة، لم أصدق أن كل هذا لي.

الدستور: ما عدد المبعدين الذين غادروا الاراضي الفلسطينية معك؟

أحلام: المبعدون كانوا 40، وثلاث مبعدات، بالمجمل كانوا (43)، وتمت إعادة كل شخص الى مكان ولادته.

الدستور: ما أغرب شيء لن تنسيه من سنوات اعتقالك؟

أحلام: كثيرة هي التفاصيل التي لن تنسى، لكن، هناك أمور مضحكة مبكية، لعل أبرزها إيمان والدي أني سأعود له قريبا على الرغم من كبر سنه، حيث كان يراهن على رؤيتي وأنه سيلتقيني.

ولعل من الامور المضحكة أنه خلال العام الاخير من اعتقالي أضيف الى حكم اعتقالي قرابة العام نتيجة لمشاجرة بيني وبين إحدى المجندات. حكمت في إحدى المرات بالسجن ستة أشهر، ودفع غرامة خمسة آلاف شيكل، وفي مرة ثانية أربعة أشهر، ولك أن تتخيلي أن يضاف إلى 16 مؤبدا عشرة أشهر إضافية من السجن، كم كان هذا الامر مضحكا مبكيا!

التاريخ : 20-10-