توجان فيصل:الحكومات غارقة في إثم إحالة الأردن إلى دولة فساد ومن المبكر التنبؤ بأثر تعيين الخصاونة

قالت المعارضة السياسية توجان فيصل إن من المبكر التنبؤ بمآلات تعيين د. عون الخصاونة القاضي البارز في محكمة العدل الدولية رئاسة لحكومة, على كل هذا إرث الفساد المتفشي في الأردن والذي وصفته بأن "جل عيبه تشريعي وقضائي".

وأضافت فيصل أن الشعب الأردني تحرك لاسترداد "سلطاته" التي ستمكنه من استرداد دولته وحتى وطنه الذي بيع بسعر التراب.

وأكدت في مقال نشره موقع "الجزيرة نت" الأربعاء بعنوان "دولة الفساد" أن سلاسل الحكومات والمشرعين المعينين أو المزور انتخابهم، غارقون في إثم إحالة الأردن إلى "دولة فساد". فالدولة تعبر عن نفسها بقوانينها.

 وفي الأردن الفساد لم يعد يجري بالتجاوز على الدستور والقوانين فقط، بل بات يشرع له ويحصن في سلسلة قوانين تجعل المادة 23 من "قانون هيئة مكافحة الفساد", مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

أول من أعلن الأردن "دولة الفساد" هي العين ليلى شرف, زوجة الشريف عبد الحميد شرف الذي تولى سابقا رئاسة الوزراء، وجاء هذا في نص استقالتها من مجلس الأعيان احتجاجا على إقالة ابنها من منصب محافظ البنك المركزي.

ومع أن الشعب الأردني ساند ابنها، فإن عودة السيدة شرف عن استقالتها فور لقائها بالملك، ووصفها ما يجري على الساحة الأردنية بفوضى يتحدث فيها أي كان في أي شأن، واقتراحها قيام إعلام رسمي بتوجيه الشعب في شأن الديمقراطية وغرس التربية الوطنية فيهم، أدى إلى غضب الشعب.

فووجهت بأن تعيينها وابنها في مناصب لم يتأهلوا لها جاء لقرابتهم من العائلة المالكة، في صورة أخرى لتوريث الحكم, وبأنها كانت عضوا معينا لعقود في مجلس تشريع بارك كل الفساد الجاري.

والحقيقة أن سلاسل الحكومات والمشرعين المعينين أو المزور انتخابهم، غارقون في إثم إحالة الأردن إلى "دولة فساد". فالدولة تعبر عن نفسها بقوانينها. وفي الأردن الفساد لم يعد يجري بالتجاوز على الدستور والقوانين فقط، بل بات يشرع له ويحصن في سلسلة قوانين تجعل المادة 23 من "قانون هيئة مكافحة الفساد", مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.

فالمادة أضيفت لتعاقب بشدة كل من يؤشر على فساد بزعم أن هذا "اغتيال شخصية", بطلب من الملك بعد تزايد انتقاد الملكة العلني، وأدى إقرار مجلس النواب لها إلى ارتفاع منسوب الثورة الشعبية مما اضطر مجلس الأعيان لإلغاء جلسته الأخيرة التي كانت ستقر تلك المادة.. والبحث جار بين الملك وحاشيته ليس لجهة إلغاء المادة، بل لأي قانون تضاف.

ولا يتسع المقال لبيان شبكة القوانين التي تحاصر الصحفي وكل مواطن يكشف الفساد. فالقوانين التي حصنت الفساد أو جرّمت مكافحيه، مباشرة أو بطرق غير مباشرة، وصلت إلى 220 قانونا مؤقتا هي التي تحكم المملكة في العقد الأخير، ما أقرته منها السلطة التشريعية وما لم تنظره، في مخالفة صريحة للدستور.

وكانت حكومة علي أبو الراغب قد حلت مجلس النواب لتصدر تلك القوانين, كما يثبت تبرير تصريح رئيسها للحل بأن "المجلس عائق في وجه التشريع"!

على سبيل المثال، نقف عند بعض مواد ما أسمي "قانون إشهار الذمة المالية" الذي تناولته في سلسلة مقالات نشرت في "الراية" القطرية تحت عنوان "من أين لك هذا". والتفاف قانون "الإشهار" على ذلك المطلب الشعبي يأتي في حبكة معقدة لمنع كشف ما تحويه ذمم المسؤولين، ثم تحصين ما يتكشف منه.

فبداية، المشمولون بالقانون يقدمون إقرارا عن ذمتهم المالية وذمة أولادهم القصر, ولكنه لا يتطرق لما هو مسجل باسم الزوجة أو الأولاد البالغين، مع أن تسجيل الشركات باسم هؤلاء عند استلام المنصب العام وسيلة فساد شائعة.

ولتسهيل إغفال ما بذمة المسؤول, ترك القانون ما يجب إيراده في نماذج "الإقرار" لتعليمات تصدرها الحكومة. ولا يرد في القانون ذكر لمصدر الثروة، بل إن مجرد الإقرار بالثروة مهما بلغ حجمها يحصنها.

فالقانون يحصر شبهة أو تهمة الفساد فقط في حالة وجود فارق بين ما ورد في الإقرار الأول وما تبين لاحقا من ثروات.

وسبيل آخر لتحاشي الإقرار أو لتحصين كل ما أقر يوفره القانون عبر إغفال السقوف الزمنية لتزويد الحكومة للمكلفين بالنماذج، أو تبليغهم إن تأخروا. وفي حين وضعت سقوف للمكلف للقيام بتعبئة النموذج، لم ترفق بأية عقوبة إن امتنع عن التعبئة!

وإغفال السقوف وعقوبات المماطلة ليس صدفة, فقانون الإشهار يسقط "دعوى الإثراء غير المشروع بانقضاء خمس سنوات على تاريخ انتهاء وظيفة أو صفة من يخضع لأحكام هذا القانون"، وهذا تحصين لذمته المالية مهما وسعت.

هذا مع أن قانون العقوبات يسقط الدعوى بالتقادم في "الجنح" بعد خمس سنوات, بينما تلزم عشر سنوات للجنايات. والإثراء غير المشروع "جناية" في تعريف قانون الإشهار. وهذا الإسقاط المبكر بعد نصف المدة متعمد، بدليل وضع عبارة "بالرغم مما ورد في أي تشريع آخر" في مقدمة مادة سقوط الدعوى.

وتحت مسمى "الإشهار" نجد إصرارا شديدا على سرية فحوى الإقرارات، بحيث تم النص على تجريم خرق السرية "ثلاثا" في مواقع مختلفة من القانون, والحكم على فاعله بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات, أي بعقوبة المختلس نفسه. والسرية تصل حد ألا يسمح بفتح المغلف المغلق لمعرفة فحوى الإقرارات، ما لم يبلغ عن إثراء غير مشروع.

وعندها يفتح الإقرار ويدرسه قاض واحد يقرر أيحيل الأمر إلى هيئة فحص الإقرارات أم لا، والهيئة القضائية الثلاثية التي تشكل خصيصا لهذا (خرق لمبدأ قضائي) تدرس الإقرارات والشكوى بسرية, وتقرر أن تحيل المشتكى عليه "إلى الجهات المختصة" أو لا تحيله.. أي تبرئه في جلسة "سرية"، ما يجري فيها يعد أيضا من الأسرار (خرق ثان لمبدأ قضائي)، ويحظر نشرها أو إفشاؤها.. والمبلّغ هنا يعد مذنبا تلقائيا بجرم بلاغ كاذب!

وعقوبة ما يسمى بالبلاغ الكاذب في هذا القانون هي السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات (أصر الأعيان على ستة أشهر سجنا كي لا تستبدل منها غرامة)، بينما هي في قانون العقوبات الحبس من أسبوع أو غرامة عشرة دنانير إلى حبس ثلاث سنوات، حسب خطورة التبليغ, تخفض كلها إلى السدس إذا رجع "المفتري عن الافتراء قبل أية ملاحقة".

أما "قانون إشهار الذمة المالية" فلا يتيح للمبلغ أن يعود عن تبليغه، سواء لأنّه افترى أو لإنقاذ نفسه من تورطه مع "متنفذين", بدليل أن المبلغ يعاقب "ولو لم تتم أية ملاحقة".

المبلغون للمحاكم أو للصحافة هم في الأغلب الموظفون، وهم ملزمون في قانون العقوبات بالتبليغ عن أي جناية أو جنحة عرفوا بها أثناء أدائهم لوظائفهم، تحت طائلة العقوبة بالحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر.

وفي قانون العقوبات يعاقب الشريك في الفساد أو المتدخل بالعقوبة نفسها, وحتى بعد الأخذ بكل الأسباب المخففة، ولا يجوز خفض العقوبة إلى أقل من النصف.

وهنا يأتي "قانون إشهار الذمة" الخاص, الذي لأحكامه أولوية على قانون العقوبات العام, ليقول "يعفى كل من الشريك والمتدخل في جريمة الإثراء غير المشروع من العقوبة إذا باح بالأمر إلى الجهات المختصة.. قبل إحالة القضية إلى المحكمة أو الجهات المختصة"!

عند صدور هذا القانون كتبت أقول بأنه في ظل قوانين كهذه، لو سألني من اطلع على اختلاس مال عام عن أفضل وسيلة لإنقاذ جلده من العقوبات التي تهدده (لعدم التبليغ من جهة، أو الاتهام بالتبليغ الكاذب من جهة أخرى) فإنني سأنصحه بخيار ثالث هو المشاركة في الاختلاس.

فإذا تكشف الأمر يعترف بما فعل في بداية التحقيق وقبل إحالة القضية للمحكمة, فينجو من العقوبتين. والطريق طويل من بدء التبليغ إلى الإحالة للقضاء، وكله محمي بالسرية ومليء بفرص عدم الإحالة، وأيضا الإفلات بعد الإحالة وبعد ثبوت جرم الاختلاس، وذلك باللجوء إلى "قانون الجرائم الاقتصادية"، توأم قانون إشهار الذمة المالية الآتي من حكومة أبو الراغب نفسها ضمن كومة القوانين المؤقتة!

فذلك القانون يقول "يحق للنائب العام التوقف عن ملاحقة من يرتكب جريمة معاقبا عليها بمقتضى أحكام هذا القانون وإجراء الصلح معه إذا أعاد كليا، الأموال التي حصل عليها نتيجة ارتكاب الجريمة أو أجرى تسوية عليها".. والتسوية تعني إعادة جزء مما اختلس، مما يتيح التعامل بما تبقى من تحت الطاولة.

وعدم ملاحقة من ثبت جرمه يتيح له تبوء مناصب حكومية، أو توظيف أمواله الفاسدة للترشح للنيابة كما هو شائع!

أما ما يتاح للفاسد "بعد" الإدانة والحكم، فنورده من مجريات قضية تمت فيها الإدانة والحكم, أولا لكونها من قضايا شركات البورصة الوهمية التي هزت الدولة بأول دفعة من الاعتصامات، وثانيا لأن هذا المجرم كان فارا من وجه العدالة, فصدر الحكم عليه غيابيا بالسجن 18 عاما لتبرير وتجميل إحالة تلك القضايا لأمن الدولة غير الملتزمة بأصول المحاكمات، ليظهر وكأن نتائجه أفضل.

وحين ألقي القبض على المجرم الفار استحال تخفيف الحكم في المحاكمة الوجاهية، خاصة بعد تنامي الثورة الشعبية ضد الفساد.. ولكن فور إعلان حكم المحكمة عليه قدم -حسب المصدر القضائي الذي أعلن الخبر- "لنيابة أمن الدولة طلبا لإجراء مصالحة للاستفادة من قرار وقف ملاحقته حسب قانون الجرائم الاقتصادية".

ولقبول أصحاب الأموال إسقاط حقهم الشخصي مقابل رد أموالهم, أفرجت عنه المحكمة فورا "لغايات استكمال إجراءات المصالحة", حسب "المصدر القضائي".. أي أنه أفرج عنه حتى قبل استكمال إجراءات المصالحة.

والأهم أنه لن يقضي في السجن يوما واحدا باسم "الحق العام".. وهو ما لا يتاح للمبلغ عن فساد، وإن تراجع عن تبليغه, ولن يفرج عنه حتى لو قدم بينات تتعلق بإقرارات الذمة أو فروقها أو بما جرى في لجنة التحقيق، فهذه البينات كلها أسرار يجرم قانون إشهار الذمة إفشاءها وبنفس عقوبة المبلّغ.. أي أن المبلغ ومن يقدم البينة لصالحه مسجونون في كل الأحوال!

"المصدر القضائي" قدم للخبر بديباجة تقول إن صاحب الشركة الوهمية "خاف من قرار المحكمة، خاصة بعد إدانته بالحبس 18 عاما, فما كان منه إلا أن أعاد الأموال المطالب بها إلى جميع المشتكين"! في حين أن صاحب تلك الشركة وغيرها مما لا نعلم حقيقته في ظل قوانين كهذه، لا خاف ولا استحيى.. بل المصدر القضائي هو الذي إما استحيى أو خاف، فطلب عدم ذكر اسمه.

أما ما فعله المجرم المدان حقيقة، فهو أنه قرر أن يصدر عن نفسه "عفوا خاصا" يسقط كامل الأعوام الـ18 التي حكم عليه بها، مقابل مجرد إعادة ما اختلسه، مع أنه كان سيستعاد من الفوائد البنكية لما اختلس وحدها لو جرت متابعة أمواله، وهذا ما لا تريد "الدولة" تسجيله كسابقة.

ولكن لا بأس من سابقة تخرق الدستور وتجعل "العفو الخاص" مما يصدره المجرمون المدانون لصالح أنفسهم، فقد سبق هذا عبث كثير بمكانة العفو الخاص، ساهم في سقوط هيبة "الدولة" التي أخرج الشعب من مكوناتها عمليا منذ أمد، واحتكرها الفاسدون.. فجاء الترحيب الشعبي بتسمية "دولة الفساد" في شهادة شاهدة من أهلها، لم تلبث أن عادت لأهلها.

ولن يفتقد الشعب تلك الشاهدة ولا كان عول عليها، لكونها طارئة ككل من يتصدرون المشهد الرسمي.. في حين أن الشعب تحرك لاسترداد "سلطاته" التي ستمكنه من استرداد دولته وحتى وطنه الذي بيع بسعر التراب.

أما أثر ترؤس قاض بارز في محكمة العدل الدولية للحكومة الأردنية, على كل هذا الإرث الذي جل عيبه تشريعي وقضائي, فمن المبكر التنبؤ به.