لا أستثني أحداً..!


يبدو ان موسم «يباس» كورونا ما زال مؤجلاً الى موعد لا نعرفه، لكن اخشى ما اخشاه ان تتكرر «نسخ» الاستهتار التي تابعنا فصولها على مدى الشهرين المنصرفين، على شكل «ولائم» وأعراس وحركة شاحنات، عندئذٍ سنعود -لا سمح الله- الى المربع الأول، وسنكون مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

حين ندقق في سيرة مواجهتنا مع كورونا نجد ان ثمة مسارين تم اعتمادهما: الأول رسمي نهضت به الحكومة والمؤسسات الأخرى عنوانه «الحظر» والإغلاق مع اتخاذ كافة التدابير الصحية والأمنية، من حيث الرعاية الطبية والتوسع في عملية الاستقصاء الوبائي، وتقليص ساعات الخروج والتقليل من الاختلاط والتجمع ٫ وغيرها من الإجراءات التى ألزمتنا بالبقاء في بيوتنا ٫ وترك ما ألفناه من تقاليد وعادات تتعلق بشؤون حياتنا.

المسار الثاني كان «شعبياً» بامتياز، عنوانه الرهان على وعي الناس وثقافتهم، وعلى قدرة المجتمع على «التكيف» مع افرازات الأزمة، سواءً الاقتصادية او الاجتماعية او النفسية، ولطالما سمعنا في هذا المجال من يذكرنا من المسؤولين بذلك، وانه «اذا عدتم عن الالتزام عدنا الى التشدد في الحظر والإغلاق».

المساران، مسار التدابير الرسمية ومسار الوعي الاجتماعي، متكاملان بلا شك، ولا يمكن لاحدهما ان ينجح بمعزل عن الثاني، لكنهما – بصراحة- يختلفان في الوزن، فالمجتمع لا يتمتع -كغيره من المجتمعات- بسوية واحدة من الوعي، كما ان «المسطرة» التي يستخدمها للموازنة بين خطر الوباء وبين حاجاته ليست واحدة، الامر الذي يرتب على «الدولة» باعتبارها المسؤولة عن حركة الناس واجبات ومسؤوليات أخرى تضيف «وزناً» جديداً للدور الذي يجب ان تنهض به، ليس فقط بالقانون ٫ وانما بترسيخ مزيد من الوعي والثقافة لدى المجتمع تجاه الخطر الذي يواجههم.

ما حدث في قصة «سائقي» الشاحنات يعكس بدقة هذه المعادلة، كما انه يشير الى مدى مسؤولية المؤسسات الحكومية عن «ضبط» حركة تدفق «الوباء» استناداً الى «البؤر» المتوقعة، وهي في معظمها بؤر «خارجية» جاءت من خارج الحدود، على اعتبار ان «كورونا» لم يستوطن بعد في بلدنا، وبالتالي فإن «عيون» الحكومة وإجراءاتها بالدرجة الأولى هي الكفيلة بالتعامل مع هذه البؤر واغلاقها، مع التزام الناس بما يصدر إليهم من تعليمات في هذا المجال.

على مدى الشهرين المنصرفين تعب الأردنيون بكافة مواقعهم، ودفع الاقتصاد الأردني -وما يزال- ثمناً باهظا، وأصبح بمقدورنا ان نقدم «نموذجاً» لمن حولنا في كيفية التعاطي مع الوباء، وبالتالي فلا يجوز ان نسمح «للاستهتار» ان يأخذنا الى مكان آخر، كما لا يجوز للمسؤول ان يسترخي او أن يعتذر عن أي خطأ او تقصير. نحن في معركة طويلة ويجب ان يكون عنوانها...المحاسبة والانضباط»، لا أستثني أحدا.