د . رحيل غرايبة يكتب: الرئيس الجديد والمرحلة الحرجة


ليس محسوداً باتفاق من يتولى المسؤولية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأردن, ومن تاريخ الإقليم المضطرب, الذي يمور موراً, والشعوب العربية تغلي في مرجل التغيير, والأجيال الثائرة ترنو بكل شغف إلى التخلص من وصمة التخلف والتبعية والغثائية, ونيل الحرية والعدالة والديمقراطية, والعيش في مجتمع الكرامة والحداثة والتجديد, وأن يشعروا بوجودهم ومشاركتهم الفاعلة في تقرير مصيرهم وتحديد معالم مستقبلهم, واختيار قيادتهم بمنتهى الشفافية والنزاهة.
مهمّة الرئيس الجديد كبيرة وضخمة, بقدر كبر وضخامة طموحات الشعب الأردني وسعتها وامتدادها, وارتفاعها إلى الثريا, بعد ثورة »البوعزيزي« وإشراق شمس الحرية على ربوع تونس الحبيبة ومصر الكبيرة, وليبيا العزيزة, وانتظار شروقها في شام الأمويين, ويمن الحكمة. 
ولذلك ينبغي على الرئيس أن يستمع بإصغاء إلى هتاف الشعب الأردني الذي أجمع على إصلاح النظام, بطريقة سلميّة حضاريّة مشروعة, تتمحور حول إعادة السلطة الكاملة للشعب, وتمكينه من اختيار الحكومة عن طريق صناديق الاقتراع, وتمكينه من مراقبة أصحاب السلطة بفاعلية, وتمكينه من محاسبتهم وعزلهم عندما يستحقون العزل. 
ومن هنا فإنّ أول مؤشر على عزيمة الإصلاح, القدرة على اختيار الفريق الوزاري الذي يؤمن بالإصلاح إيمانا عميقاً, والذي يعبّر عن نبض الشعب, ويأتي من الشارع الأردني العادي.
على الرئيس أن يبدأ بمصارحة الشعب الأردني ببرنامجه الإصلاحي مبرمجاً على الأشهر وليس على السنوات, مع بيان السقف والمستوى المضمون والخطوات, ومن ثمّ فإنّ الرئيس معنيّ بإشاعة جوّ الثقة والراحة والانفراج, في الشارع الأردني من خلال خطوات عملية مؤثرة وليس من خلال الوعود, فالخطوة الأولى على هذا الصعيد أن يعلن الإدانة الحكومية والرسمية للأساليب العدوانية التي تسمّى (بأعمال البلطجة) على النشاطات الإصلاحية السلمية المشروعة, وأن يتعهد بمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى الدولة الأردنية نظاماً وحكومةً وشعباً ويعمل على إزالتها حتماً.
وبعد ذلك أن يفرج عن جميع السجناء السياسيين, وتسهيل عودتهم إلى المجتمع بالشكل السلمي الحضاري القائم على الدعوة بالتي هي أحسن, وأن تتعهد الحكومة الجديدة بعودة جميع المفصولين من وظائفهم إلى مواقعهم وتعويضهم عمّا لحق بهم من ظلم وضرر, وأن تعلن عن عودة جميع الخطباء إلى منابرهم ومساجدهم. 
وإذا كانت الحكومة الجديدة عازمة على المضيّ قدماً في بناء مرحلة جديدة والتخلص من عوائق المرحلة السابقة, فهذا يقتضي مراجعة جميع التشريعات والقوانين التي وضعت خصيصاً للتضييق على الحريّات ومصادرة الرأي مثل قانون الأوقاف وقانون الوعظ والإرشاد, وقانون الإفتاء, وقانون الخطباء, وقانون الجمعيات الخيرية والعمل الطوعي, التي عملت على ايجاد جو سياسي قاتم, أدّى لاتساع الهوّة بين الشعب ومؤسسة الحكم, وسيادة جوّ انعدام الثقة الذي أوصلنا إلى هذا الأفق المسدود والجدار الفولاذي المحكم. 
الرئيس الجديد معنيّ بوضع حجر الأساس لبناء ثقافة سياسية جديدة تقوم على معنى أنّ الدولة لجميع مواطنيها, ورأس الدولة على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين, وأن تكون جميع أجهزة الدولة بما فيها المؤسسات الإعلامية ملكاً للشعب الأردني كلّه, وليس ملكاً للحكومة, وليس ملكاً لرأي سياسي محدد, وتحارب الرأي السياسي الآخر. وكذلك الأجهزة الأمنية والجيش والدرك فهذه كلها مؤسسات دولة, لا يجوز تعبئتها لمصلحة فريق سياسي محدد ضد فريق سياسي آخر, ولا يجوز تحريضها وتعبئتها ضد أيّ مكون من مكونات الدولة, وضد أي حزب سياسي قائم ومشروع. 
إذا عزم الرئيس هذه العزمة, سوف يجد جميع المواطنين المخلصين معه, وسوف يجد جيشاً من الأكفاء الأقوياء الأمناء الذين يضعون أنفسهم في خدمة وطنهم وأمّتهم, وعلى استعداد لمواصلة الليل بالنّهار من أجل بناء دولة الأردن المدنيّة الديمقراطية الحديثة, التي ستكون نموذجاً في الحريّة والكرامة والتسامح والإنجاز والأمن والرفاه; من أجل مسابقة الزمن في حرق المراحل وقطع طريق الإصلاح الطويلة, والمنافسة في كل مجالات التقدم والتحديث والتطوير.