ناهض حتر يكتب :الخصاونة ... هل يستطيع ?


الغزل المتبادل بين رئيس الوزراء المكلّف, الدكتور عون الخصاونة, وبين الإخوان المسلمين, هو إنجاز أوليّ للحوار الذي تنوي الدولة اقامته مع القيادات الإخوانية. لكن هذه العملية السياسية المفتوحة على إحتمالات مختلفة - ولكن توافقية عموما - تأتي في سياق ضرورات التفاهم بين الطرفين في ظل التطورات الإقليمية والدولية, وعنوانها التفاهم الاستراتيجي الحاصل بين الحلف الأميركي - الخليجي وبين الإسلام السياسي في المنطقة.
أعني أن دوافع التقارب الرسمي - الإخواني, تبقى مرهونة بالعوامل الخارجية الحاسمة, لا بالعوامل الداخلية الضاغطة, اللهم إلا من زاوية واحدة هي الإستقواء بالإخوان وبعض المعارضة التقليدية, للتعامل القضائي والأمني مع قوى الحراك الشعبي في المحافظات, والسعي إلى تصفيتها.
ولدينا مؤشر واضح في هذا المجال. فبينما ينتظر الأردنيون, منذ مطلع العام, الإجراء الإصلاحي الرئيسي المطلوب المتمثل في تحويل الفاسدين وملفات الفساد إلى القضاء, جاءهم الرد كالتالي: إقامة دعوى الحق العام على أربعة من نشطاء الحراك الشعبي في الطفيلة هم إبراهيم عيال ذيبة وسهم المرايات وفادي العبيديين وصالح المحاسنة. وذلك بتهم " إطالة اللسان" و" التجمهر غير المشروع" و"القدح" و" التحقير".
نشر أحد المواقع الألكترونية,أوراق الدعوى وفيها نص الهتافات المنسوبة للأظناء. وهي الهتافات المعروفة المتكررة نفسها في الإعتصامات والمسيرات التي تشهدها محافظات المملكة أسبوعيا. أحد المعلقين كتب باسمه الصريح متحديا: " أنا أيضا هتفت بهذه الشعارات"! والتحدي الأكبر جاء من الحراك الشعبي الذي يحضّر لجمعة " الموت ولا المذلة".
من الضروري الإنتباه إلى أن فاعلية الإجراءات القمعية, في مواجهة قوى معارضة شعبية, مرهونة بشرط هو أن تكون تلك القوى معزولة عن وسطها المجتمعي الخائف والممتثل سياسيا. لكن قوى الحراك الشعبي وثيقة الصلة بمجتمعها المحلي الذي تحرر من الخوف ومن الإمتثالية السياسية. لذلك, فإن كل تصعيد نحو الحراك الشعبي سيواجَه بالتصعيد في مرحلة لا تحتمل أن يكون آلاف الشباب من أبناء المحافظات أمام القضاء وخلف القضبان, بينما ينعم الفاسدون بالحرية والنفوذ والملايين المنهوبة من دماء البلد.
هل ينجرّ القرار السياسي إلى سياسة التحالف مع فريق لمواجهة فريق آخر في المعارضة? سيكون هذا الخيار فاشلا. صحيح أن "الإخوان" وحلفاءهم قوة رئيسية في البلد, لكن خروجهم من الشارع لن يوقف الحراك الشعبي, بل سيجذّر شعاراته ويرتفع بسقفها. وإذا ما تمت الإستجابة, مثلا, للمطلب الإخواني بتعديل هيكلية البرلمان على أساس المعيار السكاني, فستكون تلك لحظة انفجار غير مسبوق في المحافظات.
من جهة أخرى, سيكون إنجازا للجميع أن يفرض " الإخوان" الإستجابة لمطالبهم الدستورية, لكن, بالمقابل, للحراك الشعبي مطالبه وأولوياته في محاكمة الفاسدين واسترداد ممتلكات الدولة وإعادة إحياء القطاع العام وتعديل قانون الجنسية لمنع التجنيس السياسي والتخلي عن قانون الضريبة المصمم لخدمة الرأسماليين وقانون الضمان الاجتماعي المجحف وإعادة هيكلة الموازنة العامة على أساس أولوية التنمية في المحافظات. 
إن تجاهل هذه المطالب, والسعي إلى قمع القائلين بها, لن يؤدي إلى الإستقرار. وإذا ما أراد الرئيس المكلّف فتح الطريق للخروج من الأزمة السياسية المستحكمة, فلا مناص له من المبادرة إلى إجراء مشاورات متوازنة مع فريقيّ المعارضة, ومن كل التيارات, والسعي لإشراكها في التشكيلة الوزارية.
لن تحدث حكومة الدكتور الخصاونة فرقا, ما لم تفهم وتتفهم مطالب الحراك الشعبي في المحافظات, وتتعهد بخطة متفق عليها لتنفيذها. وفق جدول زمني. 
وأول إشارة مطلوبة للسير في هذا البديل السياسي التوافقي هو سحب القضايا المرفوعة على أحرار الطفيلة.