يحتاج العالم إلى فترة قد تكون قصيرة أو طويلة حتى يخرج من صدمة الكورونا، لكن ما حدث من جائحة قلبت كل الموازين يدفعنا إلى إعادة صياغة حياتنا على مستوى الأفراد والجماعات والحكومات والدول، بل على مستوى النظام العالمي كله الذي اعتدنا عليه منذ الحرب العالمية الثانية إلى ما قبل الفيروس الذي تدل الوقائع على أنه رغم ضآلته قد أرعب العالم وشل أوصاله، وحشر الناس في بيوتهم، وغير من طباعهم واهتماماتهم وأولوياتهم!
إعادة الصياغة تعني من هذه الناحية إعادة ترتيب المفاهيم بمصطلحات جديدة، والتخلص من الاقتباسات القديمة، فنحن لا نستطيع تغيير الحياة الإنسانية المستقرة على الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي حكمت أو تحكمت بالمجتمع الدولي المعاصر، ولكننا نستطيع إعادة صياغة تلك الحقائق لكي تتلائم مع التحديات التي أوجدها الفيروس الآن، وفي المستقبل القريب، ومن دون أن تلتقي آراء المفكرين والقادة وصناع القرار على مبدأ إعادة الصياغة تلك، فقد ينزلق العالم نحو صراعات لم يعرف لها مثيل من قبل!
لا أجد كلاما يعبر تعبيرا دقيقا عن أهمية التفكير في إعادة صياغة العلاقات الدولية أبلغ مما ورد في المقال الذي نشره جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في صحيفة واشنطن بوست مؤخرا حين دعا إلى إعادة ضبط العولمة، والاعتراف بأن بلدا واحدا بمفرده لا يمكن له النجاح، لأن إخفاقه سيعني إخفاق الجميع، وأن «كورونا تهديد يواجه كل قائد حول العالم، ولكن إذا أردنا التغلب عليه، فعلينا أن نقوم بما قد يتعارض مع ما اعتدنا عليه» وفي ذلك ما يكفي من الوضوح لفهم أن العالم سيذهب إلى ما هو أسوأ، إذا لم يعدل من صيغته الراهنة، بما يضمن بقاء وسلامة البشرية في كل مكان.
وماذا بعد؟ هذه نقطة بداية للتفكير في إعادة صياغة طبيعة واسلوب حياة كل واحد منا، فالدروس المستفادة مما أصابنا جميعا من ضرر الجائحة، ومن فوائدها أيضا كثيرة، ورب ضارة نافعة، إذا جعلتنا نفهم أن الكورونا دفعتنا إلى اكتشاف أنفسنا من جديد، وإذا تعلمنا من التباعد الاجتماعي كم نحن بحاجة إلى التقارب الايجابي النظيف فيما بيننا، في محيطنا الوطني والقومي والإنساني!