عن الرئيس المكلف


لا يملك المراقب، إزاء رجل بوزن رئيس الحكومة المكلف وسمعته الدولية، وسجل إنجازاته في ساحات القضاء الدولي، خصوصا زمن "معركة الجدار العنصري"، إلا أن يتفاءل بمقدم الدكتور عون الخصاونة إلى الدوار الرابع...ولقد كنا نأمل، لو أن الرجل أشرف على عملية تعديل الدستور، لكان وفّر علينا كثيرا من العنت والمشقة...على أية حال، الفرصة لم تفت بعد، والدستور لم يغلق نهائياً، وباب الاجتهاد ما زال مفتوحاً لمزيد من المراجعات والتنقيحات، التي تطال مواد أساسية ظلت مبثوثةً بين طيّاته وفي ثنايا مواده.
وثمة "ورشة تشريعية" تنتظر الرجل...نأمل أن يخرج بها من إطار "الحدود الضيقة" التي وضعتها بها الظروف السابقة، ...نأمل أن تكون للخصاونة بصماته الخاصة، على قوانين الانتخاب والأحزاب والمحكمة الدستورية، وما يتفرع عنها من هياكل وأطر، يتعين إنشاؤها بموجب قوانين خاصة (المفوضية العليا للانتخابات مثلا)...كما نأمل أن تكون لإطلالة الرجل على معايير الحد الأدنى الدولية الناظمة لهذه التشريعات، دور ملموس في إحداث التطويرات والتعديلات المطلوبة والمرغوبة في هذا المجال.
عون الخصاونة يأتي إلى رئاسة الحكومة من خارج "الأندية" و"الصالونات" و"الحسابات الصغيرة" و"المناكافات" و"النكايات"...والمأمول منه أن يكون على مسافة واحدة من الجميع....وأن يُعمِل القاعدة القانونية التي ترقى بمفهوم المواطنة إلى مستويات "فوق دستورية"، ويُعظّم المساواة بين المواطنين ويرفع من شأن العدالة للجميع كقيمة عليا...المأمول أن يكون الرجل قادراً على رؤية الجميع، جميع المواطنين، من نفس العدسة والمنظار...فهذا واحد من أهم أسباب الثقة بالحكومة ورئيسها.
يتولى الخصاونة مقاليد ولايته العامة، والبلاد تعاني سلسلة من الأزمات والمشاكل المركبة...لعل أهمها في ظني استرداد هيبة الدولة ومؤسساتها واستعادة سيادة القانون...من دون أن يعني ذلك، أن المشكلات الأخرى أقل، أهمية، فالتوتر والاحتقان والاستقطاب والعنف اللفظي والجسدي، وما يشبه حالة الفوضى والفلتان، جميعها مفردات تهيمن على المشهد الأردني، كما لم يحدث من قبل...كان الله في عون من سيتصدى للتعامل مع هذه الملفات.
والرجل يتولى مقاليد الولاية العامة للحكومة، التي نأمل أن ينجح في استردادها، فيما عموم المواطنين وسوادهم الأعظم، يترنح تحت ضغط الغلاء والبطالة والفقر والعوز والفاقة والضرائب...فيما الإقليم يبدو مقبلاً على تقلبات وتغييرات، ربما تكون الأكثر جدية وخطورة منذ سايكس بيكو...ومعرفة أين يضع الأردن أقدامه وكيف ومع من، أمر سيتوقف عليه، مستقبل البلاد والعباد...إنها لحظة بالغة التعقيد، وبامتياز.
ليست المرة الأولى التي يؤتى فيها برئيس جديد للحكومة، تزامناً مع سلسلة من التغييرات في مواقع السلطة والقرار في الدولة...ولكنها المرة الأولى، التي سيكون فيها لأي تعثر في خلق الانسجام بين أعضاء الفريق الوزاري، أو فشل في إضفاء التناغم بين مراكز صنع القرار، نتائج كارثية...الوقت يمر كالسكين، إن لم تقطعه يقطعك.
لكن من حسن حظ الرئيس الجديد، أن تكليفه بمقاليد الرئاسة، يأتي وسط بوادر "انفراجات" في المشهد السياسي الأردني...الحوار المفترض بين الحكم والإخوان علامة من علائم الانفراج، نأمل أن تكون جدية وذات مغزى...الانفتاح على حماس، تحوّل مهم، نأمل أن يكون توطئة لتوجه جديد في السياسات الخارجية...ثم أن اختيار الخصاونة نفسه، يعد مؤشراً إضافياً على التوجهات الانفراجية، تدعو للتفاؤل، وتستدعي الدعاء بالنجاح.
اليوم، وقبل أن يثبت بالوجه الشرعي أمر تعيين الخصاونة، تلقيت اتصالاً من الصديق فريح أبو مدّين، وزير العدل الفلسطيني السابق، الذي ذكرني بمواقف الخصاونة في معركة جدار الفصل العنصري، وكيف كان للرجل إسهام في انتزاع أعلى قرار قضائي دولي، بأن الأراضي المحتلة عام 1967 هي أراضِ محتلة، وليست أراضي متنازعا عليها، ولا يقلل من قيمة هذا الدور المنسوب في جانب منه، للخصاونة، أن هذا القرار لم يُفعّل ولم يُتابع من قبل السلطة الفلسطينية أو الحكومات العربية.
نأمل أن يكون أداء الخصاونة في موقعه الجديد كرئيس للوزراء، بمستوى أدائه كقاضٍ دولي...أما بقية التغييرات والمتغيرين، فليس لدينا تعليق عليها، أولاً لأننا لا نعرف القادمين الجدد، وثانياً لأننا نرغب أن نرى النصاب الدستوري للحكومة، صاحبة الولاية العامة، قد عاد إلى نصابه، الحقوقي والسياسي، فتلكم هي وصفة النجاح، ومن دونها كان الله في عوننا وفي عون "عون".