حكومة جديدة وتفاؤل مشـروع
من نافلة القول، أن هنالك حاجة إلى بداية جديدة في العمل السياسي في الأردن، وما حدث أمس من قرارات حاسمة في تغيير رئاسة الحكومة والمخابرات العامة والتي ستتبعها خطوات أخرى هو نقطة البداية الجديدة والمهم النتائج.
ان من الدروس المستفادة للحكومة الجديدة أهمية الانفتاح التام على الرأي العام والتواصل مع كافة مكونات المجتمع والقوى السياسية والإبقاء على صورة إيجابية مطلوبة تماما لاتخاذ القرارات الاستراتيجية في المرحلة المقبلة.
هذه الحكومة قد تكون قبل الأخيرة التي يتم تشكيلها وفق الآلية الراهنة في تشكيل الحكومات، حيث من المفترض أن تعالج الأزمات المتراكمة حاليا ولا تصنع أزمات جديدة وربما يتم تأجيل الانتخابات البلدية نظرا للتعقيدات التي خلقتها ثورة الانفكاك وما يرتبط بها من كلف مالية وبشرية لإدارة البلديات الجديدة.
وفي حال نسبت الحكومة بحل مجلس النواب تمهيدا للانتخابات النيابية بعد اشهر فسوف تضطر للاستقالة الفورية حسب الدستور الجديد. ولكن في غضون ذلك، على الحكومة الجديدة أن تعتمد الحوار والتواصل السياسي مع الرأي العام، وعدم استرضاء الشارع الغاضب عن طريق قرارات سياسية واقتصادية ذات نتائج كارثية على مستقبل الدولة وخاصة في سياق تضاعف الإنفاق العام وتحميل الخزينة تكاليف جديدة.
نحن ببساطة، بحاجة ماسة إلى حكومة تستطيع أن تفتح حوارا فعالا مع الرأي العام ومع المعارضة، وتستطيع إدارة شؤون الدولة بشفافية وصلابة وأن تقول كفى عند الحاجة، ولا تغامر بمستقبل الاقتصاد والسياسة لتحقيق مكاسب سياسية آنية.
ردود الفعل الأولى تجاه اختيار رئيس الحكومة الجديد د. عون الخصاونة إيجابية، بل أن الكثير من المراقبين طالبوا به صراحة منذ سنوات لكونه أحد الشخصيات السياسية النادرة التي تمتلك العناصر الثلاثة المتمثلة في النزاهة الشخصية، والكفاءة العلمية والإدارية والحس السياسي العالي.
الخصاونة اشتبك ايضا بشكل مباشر مع إسرائيل في عدة منابر دبلوماسية ومنها مفاوضات السلام، حيث وصفه المفاوضون الإسرائيليون بأنه كان قاسيا وصارما كما كان هو مهندس قرار محكمة العدل الدولية ضد الجدار العازل، ورئيس وزراء مثل هذا يستطيع أن يكون ندا قويا لنتنياهو في الساحة الدبلوماسية الصعبة في الشرق الأوسط.
لا يملك الخصاونة "بزنس" ولا شبكات سياسية وإعلامية ولا أجندات شخصية وهو بالتالي شخص قابل لفرض احترامه على الجميع وكذلك يمكن له أن يدشن علاقة صحية مع أطياف المعارضة المختلفة، ولكنه طبعا لن يكون بلا أعداء ولا خصوم حيث أن شبكة النخبة السياسية التقليدية سوف تحاربه وتعمل على إفشال تجربته. ولهذا فإن الرئيس الجديد قد يوسع من نطاق تحالفاته لتشكل عدة قوى في المجتمع السياسي يمكن أن توفر له دعما في مواجهة القوى التي ستعمل ضده في الأيام القادمة.
نأمل أن يتمكن الرئيس المكلف والمتميز بالكفاءة العالية والتواضع أن يختار وزراء على شاكلته، وخاصة في معادلة النزاهة والكفاءة وأن يعمل على تحقيق النتائج الفعلية وليس العروض الخطابية.
الخصاونة كسب الجولة الأولى من المصداقية نتيجة سمعته الحسنة، والامتحان الأول هو في اختيار الوزراء ونرجو بكل أمانة أن لا يضطر إلى إدخال وزراء سيشكلون عليه عبئا كبيرا في المستقبل وأن يكون هذا التشكيل نتيجة لحوارات جادة مع النواب والقوى السياسية المختلفة.