الدكتور فؤاد محيسن يكتب: "كورونا واقتصاد العالم 2020"

أخبار البلد - الدكترو فؤاد محيسن

مثل الكساد العظيم عام 1929 أو انهيار بنك ليمان براذرز نتيجة للازمة المالية العالمية عام 2008، فإن جائحة فيروس كورونا حدث مدمر على مستوى العالم لا يمكننا أن نتخيل عواقبه بعيدة المدى إلا اليوم.

في حين يمكن التغلب على التحديات الأمنية والسياسية الأخرى من خلال بعض الترتيبات والتنسيق؛ فإن انتشار فيروس كورونا وما احدثه من آثار سلبية مدمرة على البشرية في جميع أنحاء العالم؛ هو التحدي الأكبر الذي يواجه المنظمات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم اليوم.

لقد ترك فيروس كورونا الجديد بصمته على كل نواحي الحياة، فدول بأكملها شُلَّت وحدودٌ أُغلقت واقتصادات عالمية تباطأت ومدارس أُقفلت.
أحد المؤرخين يقول:
ان الوباء "يهدد الروابط الاجتماعية ويطلق العنان لواقع جديد يكون فيه كل واحد حذراً من جاره. فانتشار الأوبئة يشكل دوماً امتحاناً للمجتمعات البشرية "
وقد ظهر ذلك في المشاهد غير المعقولة التي رأيناها لأشخاص يتدافعون في المتاجر على آخر حزمة من ورق المراحيض...
واضطر الأطباء في بعض البلدان الى اختيار مريض لإنقاذه بدلاً من آخر بسبب نقص المعدات، كما يحصل في زمن الحرب".

ووفقا لتقارير دولية فقد حذر العديد من المستثمرين والاقتصاديين من خطر حدوث ركود عالمي، وفي مارس/آذار 2019 توافق العائد على سندات الحكومة الأميركية لمدة ثلاثة أشهر مع معدل السندات البالغة من العمر عشر سنوات.
وفي آب الماضي كان المستثمرون قلقين بشأن الانقلاب الملحوظ مؤقتا في انعكاس منحنى العائد على سندات الحكومة الأميركية.
وفي هذا الصدد، قدم العديد من الخبراء هذا الأمر باعتباره المؤشر الرئيسي الأكثر موثوقية الذي يؤكد احتمال حدوث ركود وشيك، مما يشير الى ان الاقتصاد العالمي في الأساس كان معرضا لخطر الانكماش في الربع الأول من العام الحالي 2020، فقد كشفت البيانات الصادرة عن معهد التمويل الدولي مؤخرًا عن نزوح 9.7 مليار دولار في حصص الأسواق الناشئة في فبراير ، وسط مخاوف من انتشار فيروس كورونا .

وفي مواجهة المخاطر الشديدة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي ، خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 2.4٪ ، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية 2008-2009.

وفي حال استمر تفشى الفيروس لفترة أطول وأصبح أكثر قوة، فإنه من المتوقع تراجع النمو إلى %1.5 فقط بنهاية العام الجارى، بدلاً %2.9 العام الماضى،ودخول منطقة اليورو واليابان إلى دائرة الركود.

التحديات مفتوحة لإمكانيات لا حصر لها، ويبدو أن تأثير التسلسل سيستمر ...

بالنظر الى فرض حظر التجول في معظم بلدان العالم وتوقف غالبية القطاعات الاقتصادية عن العمل وفي مقدمتها القطاع الزراعي، فان احتمال نقص الغذاء عالمياً أمر مروع ويسبب القلق والهلع والخوف لدى عامة الناس قبل الحكومات، فقدبدأت بعض السيناريوهات تتحقق على الأرض؛ كان في مقدمتها انهيار الأعمال وفقدان الوظائف ونقص السيولة وتوقف الشركات عن دفع الرواتب وانقطاع مصادر سداد القروض الشخصية والعقارية والتجارية وغيرها.
كما لوحظ بعض حالات الانتحار في بعض البلدان نتيجة الإمعان في العزل الاجتماعي، والوحدة، والقلق، والتوتر، والإعسار المالي، والتي تعتبر جميعها بمثابة عواصف قوية تجتاح الصحة النفسية للناس".
فالبطالة تهيئ صاحبها للإصابة بالتوتر والاكتئاب، فيلجأ البعض إلى تعاطي الكحول وغيرها من المسكرات ولعب القمار، وقد تدفع البطالة البعض إلى التشرد. ومن هنا تبرز أهمية تعجل الحكومات في معالجة الوضع الاقتصادي بالتوازي مع معالجة الوضع الصحي منعاً لانتشار الجريمة من اجل لقمة العيش.
لقد أظهرت الجائحة التي اصابت العالم، فشل الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في قيادة العالم وتحول الدفة الى الصين ودول شرق اسيا، وبدأ التغيبر في الانتقال من العولمة التي تركز على الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين.كما أكدت هذه الجائحة على ان الولايات المتحدة حتى لو سادت كقوة عظمى، لا يمكنها حماية أمنها من خلال العمل بمفردها.
وباعتقادي فان الوباء ينبأ بان النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير، ويشيران الى انتهاء نظام العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل، والبحث عن سلاسل توريد محلية، مما سيؤدي الى نسف القواعد الحالية لعمليات التصنيع والإنتاج العالمية.
لقد اظهر الوباء فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها ألذي كان متوقعا في التحذير والتنسيق للحد من الأزمة.
كما يتوقع الكثير من السياسين والاقتصاديين
تفكك الاتحاد الأوروبي بعد فشله في مواجهة الأزمة على مستوى أعضائه، ومزيد من التركيز عل الانكفاء على الداخل وتراجع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
"يمكننا أن نقول أن الأزمة الاقتصادية العالمية قد بدأت بالفعل وإن سبب بدايتها هو وباء كورونا الصيني الذي ستكون عواقبه خطيرة على الاقتصاد العالمي".
وباعتقادي فإن ركود 2020 ليس مجرد أزمة لعدة سنوات، وإنما ستكون له تبعات خطيرة، فهذه أزمة عالمية للنظام الاقتصادي وللرأسمالية برمتها، والتي لا يوجد مكان للتوسع فيها ولا مكان لتحقيق الربح.
وعلى هذا الأساس، قد يمتد الخط الأسود في الاقتصاد العالمي عشر سنوات أو أكثر، كما ستصاحب فترات الركود المالية أزمات ديموغرافية واجتماعية ومناخية.
لقد اظهر النموذج الصينيي نجاحه بالتعامل مع الأزمة مما سيعمل على تقوية مفهوم الحكومة المركزية وتعزيز قبضة الحكومات دون معارضة. كما ابرز قوة الروح الإنسانية ونجاحها في مواجهة الخطر.
وباعتقادي فالمنتصر في الحرب ضد الكورونا هو الذي سيكتب التاريخ ويحدد المستقبل بشكل كبير. لمن أياً كان فان العالم سيكون: اقل انفتاحا، اقل حرية، اكثر فقرا.
في جميع الأحوال ، فإن العالم يحتاج في اللحظة الراهنة لمزيد من التضامن الإنساني لتجاوز هذه المحنة، وتحتاج البشرية إلى اقتصاد يتجاوز براغماتية الرأسمالية، إلى مساقات اقتصادية غير مرتبطة بعولمة متوحشة.
العالم في امس الحاجة إلى اقتصاد انساني، فقد أظهرت الأزمة أن العالم الذي يجاهر بقوته وجبروته، ضعيف أيما ضعف أمام ما لا يرىى من المخلوقات .

*اقتصادي وخبير مصرفي.