القدس العربي تطبل لعون الخصاونة وتفتح النار على معروف البخيت من لندن

اخبار البلد : اتخذ العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني قراراً متوقعاً امس بقبول استقالة حكومة معروف البخيت التي كانت واحدة من اقل الحكومات شعبية في تاريخ الاردن، حيث طالب ثمانون نائباً برلمانياً بحلها في خطاب رسمي لفشلها في تحقيق الاصلاحات المطلوبة، ولكن المفاجأة تجسدت في تكليف الدكتور عون الخصاونة نائب رئيس محكمة العدل الدولية، وواحد من اهم الكفاءات العربية والعالمية في القانون الدولي ان لم يكن اكفأها على الاطلاق.
نقول مفاجأة لان الدكتور الخصاونة ومثلما يجمع كل من عرفه، كان زاهداً في المناصب الحكومية، سعيداً في موقعه القضائي الاهم في العالم، واقترابه من تولي منصب رئيس المحكمة الاكثر شهرة في العالم، اي محكمة العدل الدولية.
من المؤكد ان الدكتور الخصاونة، وهو الرجل الوطني المحب لبلاده وامته، ادرك ان حكومته التي سيشكلها هي حكومة انقاذ، لاخراج البلاد من ازمة طاحنة تهدد امنها واستقرارها ووحدتها الوطنية، ولذلك قرر وضع كل طموحاته ومصالحه الشخصية جانباً، وقبول هذا التحدي الصعب بل الاصعب في حياته.
الاردن يقف حالياً امام مفترق صعب، حيث اهتزت الثقة بالحكومة ومؤسساتها، وفقد الكثيرون، بل اغلبية المواطنين الامل في اصلاح حقيقي جدي ينتقل بالبلاد نقلة عصرية، تقودها الى التغيير الديمقراطي ودولة العدالة والقانون.
التحدي الاكبر الذي يواجهه الدكتور الخصاونة وحكومته التي يعكف حالياً على تشكيلها بالتشاور مع الكتل السياسية والشخصيات الفاعلة، ليس محاربة الفساد واقتلاع جذوره العميقة في التربة السياسية والاجتماعية الاردنية فقط، وانما وضع حد للتغول الامني الذي يشكل الخطر الاكبر على الاردن بعد ان افسد الحياة العامة، وبات يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، ويمارس نوعاً من الارهاب على ملايين الاردنيين تحت ذريعة الحفاظ على مؤسسة الحكم وامن البلاد.
ولعل مبادرة العاهل الاردني بعزل رئيس جهاز المخابرات الحالي محمد الرقاد وتعيين فيصل الشوبكي السفير السابق في المغرب مكانه دليل اعتراف بهذه المسألة، وخطوة نحو اصلاح الجهاز الامني وكف يده الطويلة في تعكير صفو الوحدة الوطنية وتهديد النسيج الاجتماعي، ودفع البلاد نحو مرحلة من عدم الاستقرار.
نشعر بالتفاؤل لاختيار الدكتور الخصاونة لهذه المهمة الأصعب في تاريخ الأردن، ليس لأن الرجل يتمتع بكفاءات عالية، ومعروف بنظافة اليد ونزاهة الضمير، وانما ايضاً لانه لم يتردد باشتراط الحصول على صلاحيات كاملة، ومنع اي تدخل في ادارته لدفة السلطة التنفيذية في البلاد، مثلما كان يحدث في ازمان من سبقوه في هذا المنصب.
الاصلاحات الدستورية والسياسية تحتاج الى رجل يتمتع بخبرة قانونية عالية، ومصداقية سياسية وشخصية لا جدال حولها، تنقل البلاد الى ملكية دستورية حقيقية وتعيد الاعتبار للمؤسستين القضائية والتشريعية بعد ان فقدتا هيبتهما وفعاليتهما طوال السنوات الثلاثين الماضية او اكثر. فالعدل والشورى اساس اي حكم ديمقراطي رشيد. ونعتقد ان الدكتور الخصاونة، اذا جرى الالتزام بالوعود التي اعطيت له بمنحه صلاحيات كاملة، وعدم وضع العصي في دواليب حكومته، قد يكون واحدا من اكثر الناس اهلاً وتأهيلاً لهذه المهمة الصعبة. ولا نملك الا ان نتمنى له النجاح فيما فشل فيه من سبقوه