الاردن وفلسطين توأمان
فلسطين والأردن توأمي الروح كشفت الاحافير على وجود نشاط بشري في الأردن، في فترة العصر الحجري القديم (90,000 سنة قبل الميلاد)وقد عاشت الأردن وفلسطين توأمين بمسميين مختلفين ولكنهما بروح واحدة وليس ذلك بحكم رابطة الجوار فقط وإنما بعوامل اخرى ظاهرة للعيان أو باطنة وهذا ما تُثبته العصور التاريخيّة على مرّْ الزمن . فقد سكن شعب العموريين الذين هم أشقاء الكنعانيين في الأردن، واتخذ الكنعانيون فلسطين بلداً لهم وسمِّيت أرض كنعان، بينما سُمِّيت الأردن تحت عناوين عدة، حسبما نجده في أسفار العهد القديم نفسها فالاسم العام هو بلاد عبر الأردن, اما الأسماء الأخرى للاردن فقد كانت تسمى على اسم الممالك التي كانت تسكنها، وبعد انتهاء الحكم البابلي وُضعت الأردن وفلسطين تحت الحكم الفارسي بواسطة أمير فارسي وحكام فرعيين . وقد احتلت روما عام 63 ميلادي الأردن وسوريا وفلسطين وبقيت المنطقة تحت السيطرة الرومانية طيلة أربعمائة عام. بقيت الأردن تخضع للحكم الروماني حتى مجيء الاسلام وانهاء الحكم البيزنطي على يد العرب المسلمين القادمين من شبه الجزيرة العربية. في الفترة 630 – 640م تحولت الأردن إلى الاسلام وحدث ذلك بشكل رئيسي في عام 636 عندما هزم العرب المسلمون الجيوش البيزنطية في معركة اليرموك في الجزء الشمالي من الأردن، امتد الحكم الإسلامي حتى غطّى سورية وفلسطين والأردن وفي بداية القرن الثاني عشر الميلادي تعرضت بلاد الشام لهجمات الحملات الصليبية الشرسة والتي ألقت الأردن في أتون نيران حرب مستعرة. وكان الهدف من الحملات الصليبية تلك هو تخليص القدس البيزنطية من التهديد التركي الإسلامي. وما لبث الصليبيون أن قرروا أن عليهم حماية الطرق المؤدية للقدس فبنى الملك بالدوين الأول خطاً من القلاع في عمود الأردن الفقري. لكن صلاح الدين الأيوبي أخرج الصليبين من القدس عام 1187 ميلادي بعد أن هزمهم في معركة حطين مما حرر البلاد من الوجود الأجنبي وخلص الأردن من السيطرة الأجنبية. حكم الأيوبيون معظم سوريا ومصر والأردن لفترة امتدت ثمانين عاماً. هجم التتار على المنطقة عام 1258 ميلادي ونهبوا ودمروا كل مدينة مرت جيوشهم فيها. لكن السلطان الظاهر بيبرس هزمهم في عام 1260 في موقعة عين جالوت. أعلنت الحرب العالمية الأولى في تموز 1914 بين الحلفاء ودول المحور وكانت تركيا منها. يشكّل الأردن وفلسطين القسم الجنوبي من المنطقة التي عرفت تاريخياً وجغرافياً في العهود الإسلامية باسم بلاد الشام. وظلت تعرف كذلك حتى أواخر فترة حكم الدولة العثمانية. وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى عرفت أحياناً باسم سورية الكبرى وأحياناً باسم سورية العمومية. بقيت هذه البلاد وحدة واحدة بأرضها وسكانها حتى نهاية الحكومة العربية التي شكلها الملك فيصل في سوريا بعد انتهاء معارك الثورة العربية الكبرى. وبعد انتهاء الحكم الفيصلي في تموز عام 1920م, بدأت الحكومات الاستعمارية تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ لم تعهدها المنطقة من قبل، وكان قد سبق ذلك التقسيم القرار الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا بلفور عام 1917م، القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، هذا التحدي الذي قاومه الشعب العربي الفلسطيني بإصرار عنيد، شهدت على أساسه الساحة الفلسطينية ثورات متعددة، من أهمها ثورة البراق عام 1929م، ثم الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م. وبحكم المسؤولية القومية المشتركة، وانطلاقا من وحدة المصير المشترك، كان الشعب الأردني قد مد يد العون والدعم والتأييد للشعب العربي الفلسطيني لمساندته في الثورات المسلحة الساعية إلى تحرير فلسطين وإبقاء السيادة الفلسطينية عليها. وفي مؤتمر سان ريمو عام 1920 أخذت بريطانيا حق الانتداب على العراق وفلسطين التي قطعت بريطانيا على نفسها وعدا بإنشاء وطن قومي لليهود فيها والأردن الذي عينت بريطانيا الملك عبد الله الاول حاكماً عليه في عام 1921, وكان إنشاء إمارة شرق الأردن تحت حكم الهاشميين . وبالرغم من خضوع الأردن آنذاك للانتداب البريطاني، إلا أن الأردنيين شاركوا بإمكانياتهم المتاحة في الانتفاضات الوطنية الفلسطينية، وقدموا الشهداء في سبيل حرية فلسطين وشعبها. وقد كانت باكورة الدعم الأردني للفلسطينيين مساندة القبائل الأردنية للشعب الفلسطيني في مهاجمة المستعمرات اليهودية عام 1920م وهو أول صدام مسلح رئيسي لهم مع اليهود. وكان كايد المفلح العبيدات من كفر سوم أول شهيد أردني على ثرى فلسطين. استمر هذا الدعم طوال فترة الانتداب،حتى صدر عام 1947 قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وأخرى عربية، وبعد إنسحاب القوات البريطانية من فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، دخلت الأردن الحرب مع إسرائيل إلى جانب الدول العربية، وإستطاعت الأردن أن تحافظ على القدس وعلى جزء كبيرة من أراضى الضفة الغربية. وفي عام 1949 عقد مؤتمراً بأريحا حضره عدد من وجهاء فلسطين أعلن فيه ضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية، وتم انتخاب مجلس نواب جديد وقسمت مقاعده مناصفة بين الضفتين. أصبحت الأردن عضوا مؤسسا لجامعة الدول العربية في عام 1945، وكدولة مستقلة، فإنها انضمت إلى الأمم المتحدة في عام 1955, بعد انتهاء العمليات الحربية في فلسطين، وعلى إثر قبول العرب توقيع الهدنة الدائمة مع إسرائيل، وجد عدد كبير من القيادات الفلسطينية والأردنية أن خير ضمان للمحافظة على الأراضي الفلسطينية، هو توحيد ما تبقى من الأراضي الفلسطينية مع شرق الأردن. وحتى تأخذ الوحدة صفتها الشرعية انعقدت مؤتمرات شعبية عدة منها العربي الفلسطيني المنعقد في عمان (مؤتمر عمان)، ومؤتمر آخر في أريحا، ومؤتمر في مدينة نابلس، نادت جميعها بالاتحاد مع شرق الأردن، والمبايعة للملك عبد الله بن الحسين حاكماً دستورياً على فلسطين والأردن، وعندما عرضت مقررات مؤتمر أريحا على الملك عبد الله من قبل وفد فلسطيني برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري، بعث الملك عبد الله بن الحسين رغبات الشعب الفلسطيني إلى مجلس الوزراء من أجل النظر في الرغبة العربية الفلسطينية وإبداء الرأي فيها. وبعد أن درس مجلس الوزراء الأردني قرارات المؤتمر، أصدر بياناً قدر فيه رغبة الشعب الفلسطيني فيما يتعلق بالوحدة، باعتبار ذلك متفقاً مع أهداف الحكومة والشعب الأردني، ووعد بأن تسعى الحكومة للوصول إلى هذه الغاية بالطرق الدستورية والدولية، وذلك تقديراً من الحكومة الأردنية للحكومات العربية التي بذلت وما زالت تبذل جهوداً كبيرة في السلم والحرب لتحرير فلسطين. ومن أجل إتمام هذه الخطوة رفع مجلس الوزراء رغبة المؤتمر إلى مجلس الأمة الأردني، لإبداء رأيه فيه وذلك لأن الطلب له علاقة بالبلاد ومستقبلها. حكومة عموم فلسطين هي حكومة تشكلت في غزة في 23 سبتمبر 1948 برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. وقد نشأت فكرة تكوين حكومة عموم فلسطين عندما أعلنت بريطانيا عن نيتها التخلي عن انتدابها على فلسطين وأحالت قضيتها إلى الأمم المتحدة. أدركت القيادة الفلسطينية عندئذ، ممثلة آنذاك بالهيئة العربية العليا لفلسطين بزعامة الحاج أمين الحسيني، أهمية التهيؤ لهذا الحدث واستباقه بإيجاد إطار دستوري يملا الفراغ الذي سوف ينجم عن انتهاء الانتداب البريطاني وكان هذا الإطار هو إقامة حكومة عربية فلسطينية. كان قبل ذلك فولك برنادوت قد أعلن في تقرير له في 16 سبتمبر 1948 أن العرب لم يبدوا أي رغبة في تشكيل حكومة في القسم العربي من فلسطين مما قد يؤدي إلى ضمه إلى شرق الأردن. ولما كان مجلس الأمة الأردني قد وافق الحكومة على سياستها الرامية إلى الوحدة، قامت الحكومة بإصدار مجموعة من القوانين التي تسهل عملية الوحدة، كان من أهمها إصدار قانون جديد للإدارة العامة، عرف بالقانون رقم 17 عام 1949م، وهو القانون الذي ألغت بموجبه الحكومة الأردنية وظائف الحكام العسكريين الأردنيين في فلسطين، الذين كانوا قد كلفوا بإدارة المناطق المتبقية من فلسطين وتم استبدالهم بموظفين مدنيين، ثم ألحق بهذا الإجراء إجراء آخر أكثر أهمية، وهو مشاركة الشعب الفلسطيني في الحكم. ففي 7 /أيار/ 1949م شكلت أول حكومة أردنية فلسطينية مشتركة، شارك فيها ثلاثة وزراء فلسطينيين لتمثيل الضفة الغربية . ومن السرد التاريخي اعلاه يتبين ان الاردن وفلسطين عايشا تاريخا واحدا وتأثرتا بالأحداث نفسها وتوحدّتا في الاضرار الناجمة عن الحربين العالميتين وإنّ ما يجري الآن وكأنّه تطبيقا لما ارادته بريطانيا الدولة المستعمرة قبل اكثر من ستين عاما والنيّة تتجه لإقامة مايسمّى دولة فلسطينيّة في غزّة تعويضا عن حكومة عموم فلسطين بينما تتم ترتيبات لعلاقة متينة بين الضفّة الغربيّة والمملكة الاردنيّة الهاشميّة ودلائل هذا السيناريو كثيرة ليس اخرها صفقة تبادل الاسرى بشاليط وكأنها صفقة بين بلدين كما لم تكن اولها تدمير مقار ومكان اقامة ابو عمار في غزّة او اغتيال قادة عظام مثل ياسر عرفات واحمد ياسين وخليل الوزير ومحمد يوسف النجّار وكمال العدوان وسعد صايل وغيرهم . فهو بلا شك مخطط وضعته اسرائيل والدول الكبرى وفي مقدّمتها امريكا ومن اجل تحقيق ذلك قُتل الكثير ودمّر اكثر ودُجّنت الشعوب وسُحق العراق واستُغلّ الربيع العربي ونحن القادة والشعوب العربيّة نتحمّل الكثير من المسؤوليّة عمّا حلّ بنا نتيجة جهلنا وتآمرنا على بعضنا وهدر وضياع ثرواتنا بايدي فاسدينا . وفي خضمّ ذلك بقيت حقيقة ثابتة وهي ان الاردن وفلسطين روح واحدة وإن إمتدّت في بلدين متجاورين وهذا يزيد من قوتهما في مواجهة الاخطار واولها المزاعم الإسرائيليّة حول الوطن المزعوم بديلا للحق الفلسطيني ولا بدّ للتوأم ان يعيشا معا ابد الدهر . د . احمد محمود سعيد دبي – 17/10/2011