كيف كسرت الصين سلسلة العدوى؟
منع انتشار الفيروس من خلال الحفاظ -ليس فقط على إغلاق كامل للمقاطعة، وإنما عن طريق تقليل حركة المرور داخل المحافظة إلى الحد الأدنى أيضاً. وقد تعقد هذا الهدف بسبب عطلة رأس السنة الصينية التي كانت قد بدأت بالفعل؛ وفيها تقوم العائلات عادة بزيارة بعضها البعض وزيارة الأسواق (وهي أكبر هجرة بشرية قصيرة المدى، عندما يتجمع جميع سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة في منازل بعضهم البعض). كل هذا كان يجب منعه. وكانت السلطات المحلية قد شرعت مسبقاً في استخدام التفكير الوبائي الأكثر تقدمًا لتتبع ودراسة مصدر العدوى وتعقب مسار انتقالها. كان هذا ضروريًا لوقف انتشار الفيروس
توفير الموارد للعاملين وتوزيعها، بما في ذلك معدات الحماية للكوادر الطبية والمساعدة، وأسرّة المستشفيات للمرضى، والمعدات والأدوية اللازمة لعلاج المصابين. وشمل ذلك بناء مراكز علاج مؤقتة -بما فيها مستشفيين كاملين تم إنشاؤهما لاحقاً (مستشفى هاوشنشان، ومستشفى ليشنشان). وتطلبت زيادة الفحوصات توفير المزيد من مجموعات الاختبار، التي يجب تطويرها وتصنيعها
ضمان توفير الغذاء والوقود للسكان خلال إغلاق المقاطعة. وكان الطعام والوقود متوفرين للسكان
ضمان نشر المعلومات للجمهور على أساس الحقيقة العلمية وليس الإشاعة. وتحقيقاً لهذه الغاية، حقق الفريق في أي وكل الإجراءات غير المسؤولة التي اتخذتها السلطات المحلية في ووهان منذ تقارير الحالات الأولى حتى نهاية كانون الثاني (يناير)
عرّفت هذه النقاط الأربع النهج الذي اتبعته الحكومة الصينية والسلطات المحلية حتى شباط (فبراير) وآذار (مارس). وتم إنشاء آلية مشتركة للوقاية والسيطرة تحت قيادة اللجنة الوطنية للصحة، مع سلطة واسعة النطاق لتنسيق الكفاح لكسر سلسلة العدوى. وظلت مدينة ووهان ومقاطعة هوبي تحت الإغلاق الفعلي لمدة 76 يوماً حتى أوائل نيسان (أبريل)
في 23 شباط (فبراير)، تحدث الرئيس شي جين بينغ إلى 170.000 من كوادر المقاطعة والحزب الشيوعي والمسؤولين العسكريين من كل جزء من الصين. وقال شي: هذه أزمة، وهي اختبار رئيسي أيضا . وسوف يكون كل تركيز الصين منصباً على مكافحة الوباء ووضع الناس في المرتبة الأولى، وفي الوقت نفسه ستضمن الصين عدم تضرر أجندتها الاقتصادية طويلة المدى
لجان الأحياء
ثمة جزء رئيس -ولو أنه لم يحظ بالتغطية الكافية- من الاستجابة للفيروس، والذي تمثل في العمل العام الذي يميز المجتمع الصيني. في الخمسينيات من القرن الماضي، تطورت المنظمات المدنية الحضرية كطريقة لجأ إليها المقيمون في الأحياء لتنظيم سلامتهم ومساعدتهم المتبادلة. في ووهان، مع تطور عمليات الإغلاق، كان أعضاء لجان الأحياء يتنقلون من بيت إلى بيت للتحقق من درجات الحرارة، ولتوصيل الطعام (خاصة للمسنين) وإيصال الإمدادات الطبية. وفي أجزاء أخرى من الصين، أقامت لجان الأحياء نقاط تفتيش للتحقق من درجة الحرارة عند مدخل الأحياء لمراقبة الأشخاص الذين يدخلون ويخرجون؛ وكانت هذه وسيلة للعناية بالصحة العامة الأساسية بطريقة لامركزية. وحتى 9 آذار (مارس)، خسر 53 شخصاً يعملون في هذه اللجان حياتهم، 49 منهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي
ساعد أعضاء الحزب الشيوعي البالغ عددهم 90 مليوناً و4.6 مليون منظمة حزبية شعبية في تشكيل العمل العام في جميع أنحاء البلاد على الخطوط الأمامية لمجتمعات الصين الحضرية والريفية البالغ عددها 650.000. وسافر العاملون الطبيون من أعضاء الحزب إلى ووهان ليكونوا جزءاً من الاستجابة الطبية في الخطوط الأمامية. وعمل أعضاء الحزب الآخرون في لجان أحيائهم أو طوروا منصات جديدة للاستجابة للفيروس
ميزت اللامركزية الاستجابات الإبداعية. في قرية تيانكسينكياو، مدينة تياوما، منطقة يوهوا، تشانغشا، مقاطعة هونان، استخدم يانغ تشي تشيانغ -مذيع القرية- الصوت العالي لـ26 مكبر صوت لحث القرويين على عدم القيام بزيارات السنة الجديدة لبعضهم البعض وعدم تناول العشاء معاً. وفي ناننينغ، منطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ، استخدمت الشرطة طائرات من دون طيار لتشغيل صوت الأبواق كتذكير بعدم انتهاك أمر الإغلاق
في تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، شكل 440.000 مواطن فرقاً للقيام بمجموعة من الأعمال العامة لوقف انتقال الفيروس: نشروا التعليمات الصحية، وفحصوا درجات الحرارة، وقدموا الطعام والأدوية، ووجدوا طرقاً للترفيه عن المصابين المصدومين بخلاف ذلك. قاد كادر الحزب الشيوعي الطريق هنا؛ حيث جمع بين الشركات والمجموعات الاجتماعية والمتطوعين في هيكل الإدارة الذاتية المحلية. وفي بكين، طور السكان تطبيقاً يرسل تحذيرات للمستخدمين المسجلين بشأن الفيروس وينشئ قاعدة بيانات يمكن استخدامها للمساعدة في تتبع حركة الفيروس في المدينة
التدخل الطبي
كانت لي لانجوان من أوائل الأطباء الذين دخلوا ووهان؛ وتتذكر أنها عندما وصلت إلى هناك، كان من الصعب الحصول على الاختبارات الطبية، وكان الوضع مع الإمدادات سيئاً جداً . وأضافت أنه في غضون أيام قليلة، وصل أكثر من 40 ألف عامل طبي إلى المدينة، وتم علاج المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة في مراكز العلاج المؤقتة، في حين تم نقل المصابين بأعراض خطيرة إلى المستشفيات. وقالت الدكتورة لي لانجوان إن معدات الحماية، والاختبارات، وأجهزة التنفس الاصطناعي، وغيرها من الإمدادات جاءت بسرعة. وأضافت: انخفض معدل الوفيات بشكل كبير. وفي شهرين فقط، كان الوضع الوبائي في ووهان تحت السيطرة بشكل أساسي
من جميع أنحاء الصين جاء 1.800 فريق وبائي -خمسة أشخاص في كل فريق- لإجراء المسوحات للسكان. وقال وانغ بو، قائد أحد الفرق من مقاطعة جيلين، إن فريقه أجرى مسوحات وبائية متطلِّبة وخطيرة من باب إلى باب. وقال ياو لايشون، العضو في أحد فرق جيلين، إن فريقهم قام خلال أسابيع بإجراء مسوحات وبائية لـ374 شخصاً وتتبع ورصد 1.383 من المخالطين القريبين؛ وكان هذا عملاً أساسياً في تحديد من أصيب بالعدوى وعولج بالإضافة إلى من يحتاج إلى العزل إذا لم يكن لديهم أعراض حتى الآن، أو إذا كانت نتائج اختباراتهم سلبية. وحتى 9 شباط (فبراير)، تحققت السلطات الصحية من 4.2 مليون أسرة (10.59 مليون شخص) في ووهان. وهذا يعني أنهم قاموا بالتحقق 99 في المائة من السكان، وهو تمرين هائل
كانت سرعة إنتاج المعدات الطبية، وخاصة معدات الحماية للعاملين الطبيين، مذهلة. في 28 كانون الثاني (يناير)، قامت الصين بصنع أقل من 10.000 مجموعة من معدات الحماية الشخصية يومياً، وبحلول 24 شباط (فبراير)، تجاوزت طاقتها الإنتاجية 200.000 في اليوم. في 1 شباط (فبراير)، أنتجت الحكومة 773.000 مجموعة اختبار يومياً. وبحلول 25 شباط (فبراير)، كانت تنتج 1.7 مليون مجموعة يوميًا؛ وبحلول 31 آذار (مارس)، وصل الإنتاج إلى 4.26 مليون مجموعة اختبار يوميًا. وقامت السلطات بتوجيه المنشآت الصناعية لإنتاج معدات الحماية، وسيارات الإسعاف، وأجهزة التنفس الاصطناعي، وأجهزة مراقبة تخطيط كهربية القلب، وأجهزة العلاج بالتبخير التنفسي، وأجهزة تحليل غازات الدم، وآلات تعقيم الهواء، وآلات غسيل الكلى. وركزت الحكومة الانتباه إلى التأكد من عدم وجود نقص في أي معدات طبية
هرعت تشن وي، وهي من كبار علماء الفيروسات الصينيين الذين عملوا على وباء سارز في العام 2003 والتي كانت قد ذهبت إلى سيراليون في العام 2015 لتطوير أول لقاح لمرض الإيبولا في العالم، إلى ووهان مع فريقها. قاموا بإنشاء مختبر اختبار متحرك بحلول 30 كانون الثاني (يناير)؛ وبحلول 16 آذار (مارس)، أنتج فريقها أول لقاح لفيروس كورونا المستجد، والذي ذهب إلى التجارب السريرية؛ حيث كانت تشن واحدة من أوائل الذين أخذوا اللقاح كجزء من التجربة
ارتياح
ليس إغلاق مقاطعة يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة لأكثر من شهرين وإغلاق بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة بالأمر السهل. كان التأثير الاجتماعي والاقتصادي دائمًا كبيرًا جدًا. لكن الحكومة الصينية -في توجيهاتها المبكرة- قالت إن الضربة الاقتصادية للبلاد لن تقوم بتقييد الاستجابة؛ يجب أن تكون مصلحة الناس هي الغاية المسيطرة على صياغة أي سياسة
في 22 كانون الثاني (يناير)، قبل تشكيل المجموعة القيادية ، أصدرت الحكومة تعميمًا ينص على أن العلاج الطبي لمرضى كوفيد 19 مكفول للجميع وأنه سيكون مجانياً. وبعد ذلك، تمت صياغة سياسة لتسديد دفعات التأمين الطبي، والتي نصت على أن النفقات من الأدوية والخدمات الطبية اللازمة لعلاج كوفيد 19 ستتم تغطيتها بالكامل من قبل صندوق التأمين؛ لن يضطر أي مريض لدفع أي أموال
أثناء فترة الإغلاق، أنشأت الحكومة آلية لضمان التدفق المستمر للإمدادات من المواد الغذائية والوقود بالأسعار العادية. وزادت الشركات المملوكة للدولة مثل الشركة الصينية للنفط والمواد الغذائية ، و المجموعة الصينية لمخزونات الحبوب ، و مجموعة الصناعات الملحية الوطنية الصينية إمداداتها من الأرز والدقيق والزيت واللحوم والملح. وساعد اتحاد عموم الصين لتعاونيات التوريد والتسويق المؤسسات على تأمين اتصال مباشر مع تعاونيات المزارعين؛ وتعهدت منظمات أخرى، مثل الغرفة التجارية للصناعات الزراعية الصينية بالحفاظ على استقرار العرض والأسعار. واجتمعت وزارة الأمن العام في 3 شباط (فبراير) للقضاء على التلاعب بالأسعار واكتناز البضائع. وحتى 8 نيسان (أبريل)، حققت أجهزة النيابة العامة في الصين في 3.158 قضية من الجرائم الجنائية المتعلقة بالوباء. وقدمت الدولة دعماً مالياً للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ وفي المقابل، قامت الشركات بإعادة تنظيم ممارساتها لضمان بيئة عمل آمنة (قامت شركة قوانغتشو لينغنان للكابلات، على سبيل المثال، بجدولة استراحات الغداء لمنع التداخل، وفحص درجة حرارة العمال، وتطهير منطقة العمل بشكل دوري، وضمان عمل أجهزة التهوية، وتزويد الموظفين بالمعدات الواقية مثل الأقنعة والنظارات الواقية، وغسول اليدين والمطهرات القائمة على الكحول)
الإغلاق الكامل
أظهرت دراسة أجراها أربعة من علماء الأوبئة من هونغ كونغ ونشرت في مجلة The Lancet أن إغلاق مدينة ووهان في أواخر كانون الثاني (يناير) حال دون انتشار العدوى خارج مقاطعة هوبي. وكتبوا أن المدن الرئيسية في بكين وشنغهاي وشنتشن وونتشو شهدت هبوطاً حاداً في عدد الإصابات في غضون أسبوعين من الإغلاق الجزئي. ومع ذلك، يكتب العلماء أنه نتيجة لضراوة كوفيد 19 وغياب مناعة القطيع، فإن الفيروس قد يهاجم في موجة ثانية. وهذا أمر يقلق الحكومة الصينية، التي تستمر في أن تكون كاملة اليقظة بشأن هذا الفيروس التاجي الجديد
ومع ذلك، تلألأت أضواء الاحتفال عبر ووهان مع رفع الإغلاق. وتنفس الطاقم الطبي والمتطوعون الصعداء. وكانت الصين قادرة على استخدام مواردها الكبيرة -ثقافتها ومؤسساتها الاشتراكية- لكسر سلسلة العدوى بسرعة