«تخيّلوا».. الأردن بلا صُحف ورقية!

أخبار البلد - سيسارع البعض إلى زمّ شفتيه متبرماً قائلاً.. «ايش يعني».. ثم يواصل قائلاً باستهتار: ثمّة بدائل كثيرة لصحف ورقية لم تعد المصدر الأول والوحيد للأخبار, فضلاً عمّا سيُتحفنا غيرهم بتحليلات وتنظيرات عن سمات العصر الرقمي, وكيف يستوجِب ذلك على «القديم» ان يُخلي المكان للجديد, على قاعدة أن لكل زمان رجالا وأدوات ووسائط تبشّر به وتدافع عن قيمه الجديدة, وغيرها مما لا تتعجز عقلية «التبرير» المتأصّلة في نفوس راكبي موجة الحداثة (المُصطنَعة أو المُبالَغ فيها) عن إدارة الظهر لكل ما قد يناقض أو يختلف مع مصالحها, التي هي في معظم «تجلّياتها» تغرف من معين الأنانية, والنظر الدائم خارج الحدود الوطنية, في محاولة فاشلة لتقليد الرجل الأبيض حدود الهيام بكل ما يصدر عنه من نظريات, تدّعي الكمال والعصمة وبخاصة في احتقارها لمصالح الشعوب الأقل تطوراً, تلك الشعوب الساعية الدفاع عن سيادتها وقرارها المُستقل واختيار النظم السياسية والاجتماعية, التي تعبر عنها هموم الغالبية العظمى من شعوبها.


قد لا يحتاج المرء إلى مزيد من التفسيرات وسوق الحجج والبراهين على أهمية الدور الذي نهضت وتنهض به الصحف الورقيّة في دول العالم الثالث (التي نحن منها), إلا أن ما تعانيه صحفنا الورقية على تواضع عددها (اقصد انها مجرد ثلاث صحف فقط... الرأي،الدستور والغد) يدفع لرفع الصوت عالياً, وبخاصة بعد أن اصابتها «جائحة كورونا» وكادت تطيحها, رغم ان قطاعات واسعة من قطاعاتنا الانتاجية على مختلف تصنيفاتها واختصاصاتها لم تنجُ من الآثار والتداعيات المتوالية فصولاً وخسارات, والتي تسعى الحكومة وباقي أجهزة ومؤسسات صنع القرار ذات الصلة, الى العمل على استدراكه والحد من أكلافه، وايجاد الوسائل والسبل لمنع حدوث ما لا يحمد عقباه في قطاعات تأثرت اكثر من غيرها بهذه النسبة او تلك, من هذا الوباء الذي بسط شروره على دول وشعوب المعمورة بأسرها.

كتب زملاء كثيرون عمّا يمكن ان يُلحِق «اختفاء» الصحف الورقية من آثار اقتصادية واجتماعية... سياسية وثقافية وخصوصاً إعلامية على المشهد الوطني, ولم يُقصّر أحد منهم في التذكير بما قامت به الصحافة الأردنية من دور وطني في تظهير صورته والدفاع عن دوره ومكانته.. داخليّاً وخارجيّاً, وما نجحت فيه المؤسسات الصحفية والعاملون فيها, في دحض محاولات التشويه والتزوير والإساءة وحملات التجنّي التي طالت مواقف الأردن او حاولت المسّ به وبشعبه.

وإذا كان هناك من سيقول أن «البدائل» موجودة, وأن ما يحفل به سوق العصر الرقمي المدعوم بتكنولوجيا الجيل الخامس, وغيرها مما باتت قادرة على الوصول الى اماكن لم تكن ولن تكون الصحافة الورقية قادرة على ارتيادها ,فان من الحكمة تذكيره بـ«العائد» الحقيقي التي ستعود به تلك «الوسائط» التي يجري تجميل قبائحها وصرف النظر عن مساوئها وأضرارها المجتمعيّة والترويج لها, مُقارنة بما تستطيع الصحافة الورقية (وأيضاً مواقعها الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي خاصتها) أن تضيف إليه, من رصيد وطني «صافٍ» لدى المواطن الأردني وأيضاً العربي, الذي لا يمكن إسقاطه من هذه المعادلة.

وإذا كان ثمّة من يعتقد أو يتخيّل «الأردن» بلا صحافة ورقيّة, قادرا على إقناعنا بأنّ الوقت قد حان لـ"دفن» هذه الصحافة,... فليقل ما لديه دون أن يصدع رؤوسنا ويتذرّع بحكاية الربح والخسارة, التي يتلطّى خلفها الراغبون في تشييع الصحافة الورقية... اليوم قبل الغد.