زمن «الكورونا»..!!


ترك وباء» الكورونا» بصماته الواضحة على فترة من الزمن قد تطول، وقد تقصر..ولكنه حتما دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ولن يغادره مطلقا.. بعد ان حول حياة الناس في القارات الخمس الى كابوس من الخوف والقلق..ليس له مثيل، وزرع الموت في كل بلاد الدنيا، فلم يعد هناك مكان أمن، فكافة الدول يعتصرها الالم، وكافة الدول رفعت الراية البيضاء..راية الاستسلام لهذا الوباء.. راية الاستسلام للموت بأبشع صوره..

زمن « الكورونا» وحد العالم، وحوله الى مستشفى كبير للحجر الصحي، وأنهى بفيروس صغير الفرق بين الطبقات، فلا فرق بين ملياردير يعيش في نيويورك او لندن او باريس او طوكيو..الخ، وبين فقير معدم يعيش في عشة في صعيد مصر، او في جنوب الصحراء الكبرى، او بنغلادش، او في اليمن او الصومال..فالجميع يرتعدون هلعا.. والجميع يتوجسون من عدو غير مرئي..

أين ذهبت ترسانات الأسلحة المكدسة في أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل ؟؟ اين ذهبت الصواريخ العابرة للقارات.. والقنابل الذرية والأسلحة الذكية وطائرات الشبح؟؟ أين ذهبت هذه القوة.. الكافية لتدمير العالم عدة مرات ؟؟ اين ذهبت وقد هزمها فيروس صغير، وحولها الى خردة تضر ولا تنفع؟؟!!

لم يخطر ببال هؤلاء الطغاة الذين يحكمون العالم بالحديد والنار.. بالقنابل النووية،والقوة الطاغية، وبالحروب الاستباقية.. ان تتحول قوتهم في يوم من الأيام الى عبء عليهم..الى أكوام من حديد وصدأ،، لم تستطع ان تهزم عدوا لا يرى، لا بل لم تستطع ان تحمي أوطانها ولا مواطنيها، وقد تحولوا الى طوابير من الموت في شوارع نيويورك ولندن ومدريد وروما وباريس.. تقذفهم الجرافات كما تقذف النفايات في خنادق طويلة.. موحشة، في جزر معزولة، مثل جزية «هارت» بنيويورك، وهي سابقة مؤلمة، لامثيل لها في التاريخ..تؤشر على الهوان والذل الذي لحق بهذه الدول، وتؤشر على حجم الفجيعة التي تضربها في الاعماق، وهي ترى أبناءها بعشرات الآلاف ملفوفين بأكياس بلاستيكية سوداء.. لا يحظون بكرامة الموتى.. وهم من صنعوا الحضارة، وشيدوا ناطحات السحاب، وغزوا الفضاء ووصلوا الى القمر.. مصير مؤلم لم يتوقعه احد حتى «كافكا» في أشد كوابيسه..

ورغم كارثية المشهد.. ومأساة المصير.. وقد وحد الموت والخوف الجميع.. فان العديد من القادة،وفي مقدمتهم القرصان «ترامب»، وحليفه الإرهابي «نتنياهو» لم يخرجا من مربع العنجهية والعنصرية.. كما بدا واضحا في تصريحات «ترامب» والتي بدأت بشتم الصين، وانتهت بطلب المساعدة منها.. مما يثير الشفقة، ويؤكد حالة الارتباك التي وصلت اليها السياسة الاميركية.

لقد كسبت روسيا والصين احترام شعوب الأرض، وتفوقت على الدول الأوروبية وأمريكا، وهي تمد يد العون والمساعدة الى هذه الدول..وفي مقدمتها ايطاليا واسبانيا وصربيا، في الوقت الذي سيطرت فيه الأنانية والأحقاد الدفينة على الدول الاوربية، وكأننا نعيش اجواء التوجس والريبة التي سبقت الحرب الكونية الثانية، ما سيؤدي حتما الى انهيار جدار الاتحاد الاوروبي..

وما دام الشيء بالشيء يذكر.. نشير وبمزيد من الفخر والإعجاب الى دور الأطباء والممرضين في فلسطين الداخل الذين تقدموا الصفوف وضحوا وهم يشتبكون مع الوباء، واستطاعوا انقاذ العديد، رغم المعاملة العنصرية والتمييز العنصري الذي يتعرضون له وشعبهم من قبل الصهاينة المغتصبين، وهو ما دفع جريدة «هارتس» الاسرائيلية و» ليموند» الفرنسية الى الاشادة بدورهم، ووصفتهم بابطال المعاطف البيضاء..

زمن «الكورونا».. الزمن الاكثر رعبا وموتا في التاريخ.. اسقط الكثير من البديهيات والمسلمات.. جعل المستحيل ممكنا... والممكن مستحيلا.. مشرعا المستقبل على المجهول.. وعلى كل الاحتمالات التي لا تخطر ببال..