بين شتم الذات الإلهية و«اغتيال الشخصية»!
(أهدي هذا المقال إلى الصديق النائب خليل عطية، الذي يدافع بحرارة عن المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد!!).
لا يقتصر رفض المادة 23 على نقابة المحامين، فقد أثار إقرارها عاصفة هوجاء في أكثر من محفل، وعلى غير صعيد، في نقابة الصحفيين، التي هدد مجلسها بالاستقالة إن تحولت إلى قانون..
اليوم سأتناول هذه المادة من جانب قانوني بحت، مستندا إلى مسألتين:
الأولى: التخريج القانوني للمادة، وفق ما رأته نقابة المحامين..
والثانية: مقارنتها بمواد أخرى في قانون العقوبات، خاصة بمن يشتم الذات الإلهية، تعالى الله عما يفعلون علوا كبيرا..
نقابة المحامين رأت في إقرار مجلس النواب لهذه المادة مخالفة لأحكام المادة «15» من الدستور الأردني والتي تكفل للأردنيين الحق بإبداء رأيهم بأي مسألة بحرية ودون أية قيود، كما اعتبرتها ماسة بحرية الصحافة والنشر التي كفلها الدستور أيضا ليضمن إطلاع المواطنين على كل ما يهمهم من شؤون، كما أن إقرارها يخالف التزامات الأردن الدولية التي صادق عليها بموجب الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والمقرة بقانون رقم 28 لسنة 2004 كما ان المادة تمثل مخالفة للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق حقوق الإنسان العربي، كما رأت أن مشروع القانون يمثل قمعا للأردنيين لأنه يحرمهم من التعبير عن آرائهم والإبلاغ عن الفساد والمفسدين.
المادة إياها، تجرم النشر عن الفساد بفرض غرامة مالية تتراوح بين 30 و 60 ألف دينار أردني، وأقرت بموافقة 56 نائبا من بين 96 ممن حضروا الاجتماع.
وتنص المادة «23» على أن ما يلي: «كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى احد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن 30 ألف دينار ولا تزيد على 60 ألفا» وهذا النص يطال الصحفيين والمدونين والنشطاء في الأردن، بعد أصبحوا مهددين بالتعرض للمساءلة القانونية ودفع غرامة باهظة قد تصل الى 60 الف دينار في حالة نشر او اشاعة أي اخبار او معلومات حول وقائع الفساد.
لنقلب الصفحة، ولنذهب إلى قانون العقوبات، ولنسأل: ما هو حكم سب الذات الإلهية؟
نصت المادة 278 من قانون العقوبات الأردني على جريمة إهانة الشعور الديني (وهذا يشمل سب الذات الإلهية والعياذ بالله) حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على عشرين ديناراً كل من:
1- نشر شيئاً مطبوعاً أو مخطوطاً أو صورة أو رسماً أو رمزاً من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور الديني لأشخاص آخرين أو إلى إهانة معتقدهم الديني، أو
2- تفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخر بكلمة أو بصوت من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور أو المعتقد الديني لذلك الشخص الآخر.
لا أريد هنا أن أناقش مدى «ليونة» هذه المادة وحنيتها الزائدة على من يرتكب الجرم الذي تعالجه، ولكن ما يلفت النظر هنا، أن المشرع أتاح للقاضي بداية أن يختار احدى عقوبتين على مرتكبها: السجن أو الغرامة، والغرامة كما هو واضح في غاية التفاهة، إذ لم تزد عن عشرين دينارا، أما المادة 23 الذي وضعها نوابنا الأكارم، فقد ألزمت القاضي بخيار واحد فقط وهو التغريم، ووضعت غرامة تفوق من يسب الذات الإلهية أضعافا مضاعفة، والمقارنة هنا تصيب المرء بالدوار، ولها أكثر من جانب، علما بأن الفرق هائل جدا بين من يقع عليهما الجرم في الحالتين، ولا يوجد أي مقارنة بين من يشتم الذات الإلهية أو الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين من «أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته»!!.
من المخجل جدا هنا أن نقارن مجرد المقارنة بين الحالتين، فأين هي وحدة التشريع، والعدالة، في فرض غرامة عشرين دينارا على من يسب الدين أو الذات الإلهية، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، وفرض غرامة تصل إلى ستين ألف دينار على من يتعرض لمشتبه بالفساد، وقد يكون فاسدا فعلا؟؟.
hilmias@gmail.com
لا يقتصر رفض المادة 23 على نقابة المحامين، فقد أثار إقرارها عاصفة هوجاء في أكثر من محفل، وعلى غير صعيد، في نقابة الصحفيين، التي هدد مجلسها بالاستقالة إن تحولت إلى قانون..
اليوم سأتناول هذه المادة من جانب قانوني بحت، مستندا إلى مسألتين:
الأولى: التخريج القانوني للمادة، وفق ما رأته نقابة المحامين..
والثانية: مقارنتها بمواد أخرى في قانون العقوبات، خاصة بمن يشتم الذات الإلهية، تعالى الله عما يفعلون علوا كبيرا..
نقابة المحامين رأت في إقرار مجلس النواب لهذه المادة مخالفة لأحكام المادة «15» من الدستور الأردني والتي تكفل للأردنيين الحق بإبداء رأيهم بأي مسألة بحرية ودون أية قيود، كما اعتبرتها ماسة بحرية الصحافة والنشر التي كفلها الدستور أيضا ليضمن إطلاع المواطنين على كل ما يهمهم من شؤون، كما أن إقرارها يخالف التزامات الأردن الدولية التي صادق عليها بموجب الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والمقرة بقانون رقم 28 لسنة 2004 كما ان المادة تمثل مخالفة للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وميثاق حقوق الإنسان العربي، كما رأت أن مشروع القانون يمثل قمعا للأردنيين لأنه يحرمهم من التعبير عن آرائهم والإبلاغ عن الفساد والمفسدين.
المادة إياها، تجرم النشر عن الفساد بفرض غرامة مالية تتراوح بين 30 و 60 ألف دينار أردني، وأقرت بموافقة 56 نائبا من بين 96 ممن حضروا الاجتماع.
وتنص المادة «23» على أن ما يلي: «كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى احد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن 30 ألف دينار ولا تزيد على 60 ألفا» وهذا النص يطال الصحفيين والمدونين والنشطاء في الأردن، بعد أصبحوا مهددين بالتعرض للمساءلة القانونية ودفع غرامة باهظة قد تصل الى 60 الف دينار في حالة نشر او اشاعة أي اخبار او معلومات حول وقائع الفساد.
لنقلب الصفحة، ولنذهب إلى قانون العقوبات، ولنسأل: ما هو حكم سب الذات الإلهية؟
نصت المادة 278 من قانون العقوبات الأردني على جريمة إهانة الشعور الديني (وهذا يشمل سب الذات الإلهية والعياذ بالله) حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على عشرين ديناراً كل من:
1- نشر شيئاً مطبوعاً أو مخطوطاً أو صورة أو رسماً أو رمزاً من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور الديني لأشخاص آخرين أو إلى إهانة معتقدهم الديني، أو
2- تفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخر بكلمة أو بصوت من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور أو المعتقد الديني لذلك الشخص الآخر.
لا أريد هنا أن أناقش مدى «ليونة» هذه المادة وحنيتها الزائدة على من يرتكب الجرم الذي تعالجه، ولكن ما يلفت النظر هنا، أن المشرع أتاح للقاضي بداية أن يختار احدى عقوبتين على مرتكبها: السجن أو الغرامة، والغرامة كما هو واضح في غاية التفاهة، إذ لم تزد عن عشرين دينارا، أما المادة 23 الذي وضعها نوابنا الأكارم، فقد ألزمت القاضي بخيار واحد فقط وهو التغريم، ووضعت غرامة تفوق من يسب الذات الإلهية أضعافا مضاعفة، والمقارنة هنا تصيب المرء بالدوار، ولها أكثر من جانب، علما بأن الفرق هائل جدا بين من يقع عليهما الجرم في الحالتين، ولا يوجد أي مقارنة بين من يشتم الذات الإلهية أو الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين من «أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته»!!.
من المخجل جدا هنا أن نقارن مجرد المقارنة بين الحالتين، فأين هي وحدة التشريع، والعدالة، في فرض غرامة عشرين دينارا على من يسب الدين أو الذات الإلهية، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، وفرض غرامة تصل إلى ستين ألف دينار على من يتعرض لمشتبه بالفساد، وقد يكون فاسدا فعلا؟؟.
hilmias@gmail.com